رعب البلديات.. التأجيل أولى

المتابع لتداعيات الانتخابات البلدية، والكثير من الفوضى والتخبط الذي رافق هذه المحطة السياسية والإصلاحية المهمة، يهيأ له للحظة أنه يقرأ عن الصومال أو السودان، لا عن الأردن الذي عقد انتخابات بلدية على مدار ما يقرب المائة عام الماضية! وقد ترتب على سوء إدارة هذا الملف أذى سياسي، وارتفع منسوب التوتر والانطباع السلبي السائد عن العملية الإصلاحية وقدرة إتمامها. وتزود المتشككون بالإصلاح بذخيرة سياسية استخدمت لتضع الحكومة من جديد في موقع الدفاع السياسي عن النفس، والراد والمنقاد لهجمة الغضب التي تسببت بها تداعيات الانتخابات البلدية.اضافة اعلان
الانتخابات البلدية محطة أساسية ضمن خطة الدولة الإصلاحية المعلنة، وكان المؤمل من هذه الخطوة إعطاء الانطباع عن جدية ووضوح الإصلاح السياسي، بهدف إراحة الرأي العام وطمأنة القوى السياسية ضمنه، إلا أن ما يحدث للآن لا يبدو قد حقق ذلك. فقد تحولت الانتخابات البلدية، ومنذ لحظة الإعلان عنها، إلى أمر جدلي، وسبب للتناكف والتنازع السياسي؛ وبدت سببا لزيادة التوتر المجتمعي في عدد من المناطق، ما جعل جدوى هذه الانتخابات في محصلتها النهائية سلبيا، وتستنزف من رصيد الدولة الإصلاحي.
ليست المشكلة في القانون الذي أقر وأخذ حيزا وافيا من النقاش، رغم أنه لم يحظ بإجماع كبير، ولم يثر إعجاب كثيرين. المشكلة بدأت في الإدارة السياسية لعملية الانتخابات، والتي بدت منذ اللحظة الأولى مستعدة لمراجعة ضم البلديات واستحداث الجديد منها بدون توضيح كاف للمسوغ أو المؤشر الذي استخدم لذلك، ما فتح شهية كثير من أطياف المجتمع للمطالبة ببلدية.
المشكلة الأخرى تمثلت في ضعف تطبيق القانون، والسماح للناس بالاحتجاج بطريقة غير قانونية على التقسيمات القديمة والجديدة. وبتنا نسمع عن إغلاق للبلديات، وقطع للطرق، وطرد موظفين من مكاتبهم احتجاجا أو رغبة في ضم بلدية أو فصل أخرى. والمقلق أن الأمر يبدو ضمن قرار يسمح للناس بفعل ذلك بهدف إعطائهم مساحة كبيرة للتعبير؛ وهذا كارثي، لأن السماح للناس بالتعبير ومنحهم الحرية لا يعني ولا يجب أن يعني خرق القانون الذي ندافع عنه ليل نهار لأننا نعتبره حصن الدولة السياسي المنيع. وكان أحرى أن تلغى الانتخابات على أن نسمح بحالة الفوضى والاستقواء على القانون التي جرت وتجري. وأخيرا، فقد جاء الترويج الإعلامي الرسمي للانتخابات بطريقة الثمانينيات، ولم يكن مقنعا على الإطلاق، بل عزز الانطباع بوجود فوضى وارتباك.
الانتخابات، على الأرجح، ستشهد مزيدا من التوتير للمشهد السياسي. وهي لم تعد محطة لتوضيح خط السير الإصلاحي أو إراحة الرأي عام. وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فالأرجح أيضا أن هذه الانتخابات ستشهد عنفا مجتمعيا ومزيدا من التطاول على الدولة، وسيخرج علينا كل خاسر بالانتخابات ليصب جام غضبه هو وفريقه على الدولة وسياساتها، ويكيل لها من الاتهامات ما بطل منها وما أصاب.
لكل هذه الأسباب، لا يجب استبعاد خيار تأجيل الانتخابات؛ فإما أن نعقد انتخابات بقدرة وكفاية عاليتين لتحقيق المطلوب السياسي منها، أو أن ننتظر إلى حين يكون بمقدورنا عمل ذلك، فتكلفة تأجيل الانتخابات ستكون أقل من عقدها ضمن الحال القائمة والمتوقعة.

[email protected]