"سلام".. ينتصر للمرأة وحقوقها

إسراء الردايدة

عمان- يأتي اختيار الفيلم الأردني القصير "سلام" أو Give up the Ghost لمخرجته زين دريعي للمشاركة في مسابقة آفاق (أورزينتي) للفيلم القصير في الدورة الـ76 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ليضيف إنجازا جديدا يسجل في السينما الأردنية.اضافة اعلان
وتسعى دريعي لإحداث تغيير من خلال صناعة الأفلام خاصة فيما يتعلق بالمرأة، والتي ينظر إليها من قبل الغرب، وحتى نظرة الرجل الشرقي لها والمرأة نفسها، في محاولة لتصبح صوتا لهن، وتسلط الضوء على قضاياهن.
وفي "سلام" المشارك في المهرجان الذي تنطلق فعاليته في 28 من الشهر الحالي، وحتى 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، تحكي دريعي في 15 دقيقة الطريقة التي تحاول بها امرأة "سلام" ويحمل الفيلم اسمها، إنقاذ زواجها، بعد رفض زوجها الاعتراف بأنه عقيم أمام أهله، لتتلقى هي اللوم من المحيط، وما بين ضغط العائلة والمجتمع وكل شيء، تتكشف شروخ في علاقتهما، وتكثر المشاكل.
وهنا تجد "سلام" نفسها في موقف ما بين القبول بالإهانة التي تتعرض لها، والخضوع لكل تلك الضغوطات والتشكيك بمبادئها والعيش بصراع أو التجرؤ على اتخاذ خطوة تحمل في طياتها تحديا لعائلتها، وللمجتمع العربي ككل.
وتقول دريعي، في حديثها مع "الغد"، إن "سلام" ولد من واقع حادثتين واقعيتين حفزتا فيها الرغبة في الحديث عن المعاناة التي تتعرض لها المرأة في المجتمع والظلم الواقع عليها، مبينة أن هنالك الكثير من النساء اللاتي يعشن ظروفا مماثلة، ويمارس فيها المجتمع ضغطا كبيرا عليهن، ويصبحن ضحاياه، ولكن في الوقت نفسه تريد من خلال فيلمها تحفيزهن على التحلي بالشجاعة والوقوف في وجه كل هذه الإهانات واتخاذ قرار بوقف هذا.
والقرار هنا، بحسب دريعي، يعني التغيير، مؤمنة بأن المرأة العربية قوية، ومثل هذه الأفلام ستكسر الصورة التقليدية التي حيكت حولها، وهي تعيش في ظلم وقهر، وشخصية مسكينة لا تقدر على إدارة حياتها أو تغيير واقعها، بل العكس.
ينافس "سلام" في مسابقة "آفاق" الى جانب 19 فيلما من تونس، فرنسا، إيطاليا، بلغاريا، إسبانيا، الصين، الفلبين، الهند، أوكرانيا، إيرلندا، جورجيا، المملكة المتحدة وغيرها، وهو الفيلم الأردني الثالث الذي يتقدم للمنافسة في هذه المسابقة بعد فيلم "ذيب" لمخرجه ناجي أبو نوار الذي نال الجائزة حينها في 2014، ومن ثم فيلم "في الوقت الضائع" لرامي ياسين.
وتذهب دريعي إلى أن فيلمها ارتبط برغبة شديدة في الدفاع عما يعانين من الظلم، وعلى الرغم من أنه لم يكن مخططا له، لكنه مرتبط بشعورها بالغضب نتيجة غياب اللامساواة، وحركة مستمرة للدفاع عن تلك المواقف التي تقف فيها المرأة عاجزة عن الإقدام على الصراخ أو الدفاع عن نفسها، ليكون بمثابة نداء للنساء في الخروج من أي وضع يحط من كرامتهن ويمسها.
واستغرق إنجاز الفيلم عامين، وهو من بطولة ماريا زريق، وزياد بكري، وترشح لجائزة روبرت بوش؛ حيث شارك في ورشته على مدار 5 أشهر، لكنه لم يفز بها، وفي الوقت ذاته تلقى دعما من الهيئة الملكية للأفلام من صندوق الأردن لدعم الأفلام في العام 2018، وهما الداعمان الوحيدان له، وفقا لدريعي.
وعن مستقبل صناعة الأفلام محليا، ترى دريعي أن هنالك الكثير من الشباب المحلي الموهوبين، الذين يسهم من خلالهم صندوق الدعم للأفلام في أن يروا النور، خاصة بالتزامن مع تزايد عدد الآلام التي يتم تصويرها محليا من شتى أنحاء العالم، والتي تكسب الكوادر المحلية خبرة جيدة، وتوفر لهم دروسا كثيرة. وتعتبر أن الفيلم القصير مهم جدا، كما هو الفيلم الطويل، وإنجازه يتطلب جهدا كبيرا، ويحتاج لبناء وتطوير مهارة الإخراج، التي تعد حرفة لا تنفصل عن كتابة السيناريو والوقوف خلف الكاميرا أو إدارة الكوادر وفريق العمل.
وتنظر أيضا للفيلم القصير بأنه تحد يتطلب إنجازه تفانيا وتركيزا والتزاما بالوقت لإنجاز فكرته في الوقت المحدد، والتصوير خلال أيام قليلة.
وعن التقدم لمهرجان فينسيا والمشاركة به، فكانت النتيجة بمثابة الصدمة بالنسبة لها، ولفريق العمل، ومنهم المنتج علاء الأسعد، وشركة "تابع 360" شركة كريتيف ميديا سلوشنز، وشركة "Jordan pioneers".
وشارك "سلام" سابقا بسوق الأفلام القصيرة ضمن مهرجان مالمو للسينما العربية، وورشات تطوير سينوفيليا في فرنسا، وروبرت بوش ضمن مهرجان برلين السينمائي الدولي.
ويعد فينيسيا أحد أكبر المهرجانات الثلاثة التي تضم برلين وكان، ويطمح كل مخرج في المشاركة بها، ومن شأنه أيضا أن يفتح لهم أبوابا كثيرة في المستقبل، وكانت دريعي قد أنجزت قبل "سلام" فيلما آخر تناول قضايا المرأة وهو "أفق" وكان أول عرض له في مهرجان "بالم سبرنغز".
ويتناول "أفق" قصة أم تحاول إنقاذ أولادها من مستقبل شبيه بذلك الذي عاشته هي وزوجها، من خلال إصرارها على أن يكملوا دراستهم، رغم قرار زوجها بجعلهم يتركون المدرسة، ليساعدوه في كسب القوت. ويعكس الفيلم وضع المرأة الأمية القابعة في بيتها، ويقدم نموذجاً عن قدرتها على تغيير حياتها نحو الأفضل، ويسلط الضوء على عمالة الأطفال.
وعملت دريعي في عدد من المشاريع الإنتاجية المحلية والإعلامية، بعد تخرجها من كلية تورنتو للأفلام في العام 2009، وتدربت مع "أفلام فلسطين" برفقة المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر وزوجها المنتج أسامة بواردي، في فترة إنجاز فيلم "لما شفتك" و"رانديفو" و"واجب" وغيرها.
وترى دريعي أن السينما هي الأداة الأقوى لإحداث التغيير، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا المرأة، فهي ليست مجرد صورة، وصناعة الفيلم لا ترتبط فقط بالسجادة الحمراء، بل بتقديم أعمال تحدث تأثيرا إيجابيا ومؤثرا في المجتمع.

المخرجة زين دريعي خلال تصوير فيلم "سلام - (من المصدر)