طائرات مهربة، لمنْ؟

تداعيات احتلال العراق ما تزال مستمرة على الرغم من مرور أكثر من 14 عاماً على تلك الكارثة التي طالت شرورها الأحياء والجماد، ونخرت دولة كبيرة وذات سيادة وأهمية واضحة في الشرق الأوسط.اضافة اعلان
قبل أسبوع تقريباً اعترفت كونداليزا رايس- مستشارة الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش في لقاء بمعهد بروكينغز- أن "الولايات المتحدة اتخذت قرار غزو العراق مع حلفائها عام 2003، وهي تعلم أنها لن تجلب الديمقراطية لتلك الدولة، ولكنها سعت في حقيقة الأمر للإطاحة بالرئيس صدام حسين، ولم يكن أبداً في خطط الرئيس بوش استخدام القوة العسكرية من أجل جلب الديمقراطية للعراق".
العراقيون بعد العام 2003 صاروا بلا دولة، وبلا سيادة، وكل من يملك بعض القوة – من العراقيين والأجانب- قادر على أن يفعل أي شيء، وكأنهم في سباق ماراثوني للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب على حساب الشعب العراقي.
واليوم وبعد 14 عاماً من "التغيير" نتساءل: هل قُضِيَ على صدام حسين فقط؟
أعتقد أن الرد يمكن أن يأتي من أي مواطن عراقي، أو عربي بسيط ويقول: إن ما جرى قضى على صدام حسين، وعلى دولة المؤسسات، وعلى الكثير من القيم والمفاهيم القائمة في المجتمع.
ونحن هنا لن نتطرق للتهجير القسري خارج البلاد وداخلها، ولن نتناول الحديث عن الجريمة المنظمة التي حذر منها رئيس الحكومة حيدر العبادي، قبل أيام، ولن نركز على كوارث المخدرات والاختطاف والاعتقال العشوائي وانتشار السلاح خارج إطار القانون، وغيرها من الصور المؤلمة التي تؤكد أن الهدف هو تدمير العراق وليس الخلاص من صدام حسين، ولكننا سنتناول اليوم قضية فيها دلالات غامضة وخطيرة.
القضية باختصار أن هيئة النزاهة العراقية كشفت، في منتصف أيار(مارس) الحالي عن" ضبط 49 طائرة مسيـرة مهربة داخل إحدى الحاويات في ميناء أبو فلوس بمحافظة البصرة، وأن الطائرات صينية المنشأ ذات امتياز أميركي مزودة بكاميرات فائقة الدقة للتصوير الفديوي والفوتوغرافي، وتم ضبطها مخبأة في الربع الأخير من الحاوية المهربة بعد وضع مواد مختلفة في مقدمتها للتمويه، وقد تم التحرز على المواد المضبوطة، وتم تنظيم محضر الضبط الأصولي لعرضه على الجهات القضائية، لاتـخاذ القرار المناسب".
بيان هيئة النزاهة لم يذكر فيما إذا كانت شحنة الطائرات داخلة للعراق أم خارجة منه، فقط ذكرت أنه تم " ضبط 49 طائرة مسيـرة مهربة".
وهنا سنتناول الموضوع في شقين. الأول هو أنها مدخلة إلى العراق، والثاني أنها مهربة من العراق.
في الاحتمال الأول: هذا يعني أن هنالك قوى عسكرية غير رسمية تقف وراء العملية، وإلا لو كانت صفقة رسمية لا يمكن توقع مصادرتها. ومن جانب آخر هنالك دلالة واضحة على أن المستقبل يحمل في طياته احتمالية اقتتال بين القوى المالكة للسلاح، وربما سيتم استخدام هذه الطائرات للتجسس السياسي أو العسكري، أو ربما لتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات مهمة أو أي مهام عسكرية بعد تفخيخها، وفي كل الأحوال الأمر يُنذر بحالة غير سليمة مرتقبة في البلاد.
أما فيما يتعلق بالاحتمال الثاني فربما تكون هذه الطائرات مهربة من إيران – عبر العراق- لدولة "قريبة" – ربما- هي اليمن، لدعم أنصارهم في حربهم المستمرة هناك، أو – ربما- تُنفذ فيها عمليات تجسس، أو اغتيالات في بعض الدول المجاورة لليمن!
الحقيقة أن هيئة النزاهة لم تكشف الجهة المالكة للطائرات المهربة، والتي يفترض أنها مقيدة في كشف الشحنة؟
وأيضاً السؤال الذي لا نعرف إلإجابة عنه: كم هي الحاويات المشابهة التي دخلت البلاد أو خرجت منها؟
وبغض النظر عن كون البضائع مدخلة أم مخرجة من العراق، فأعتقد أن الولايات المتحدة نجحت في تمييع مفهوم الدولة في العراق، وكانت مسألة القضاء على صدام حسين حجتهم الكبرى في تنفيذ تلك المؤامرة التي ما نزال نعاني من نتائجها الكارثية.
متى نتعلم من دهاء الأعداء؟!