فيلم عزة الحسن الوثائقي "دايما اتطلعي بعيونهم": إضاءات متعددة حول موضوع واحد

يعرض في مسرح البلد وسط ردود فعل متباينة

محمد جميل خضر

عمان- أثار الفيلم الوثائقي "دايما اتطلعي بعيونهم" للمخرجة الفلسطينية عزة الحسن ردود فعل متباينة لدى الجمهور الذي تابعه مساء أول من أمس في مسرح البلد.

اضافة اعلان

وعكست الحوارات والنقاشات التي دارت بين الحضور وبين مخرجة الفيلم وكاتبة السيناريو الخاص به بعيد عرضه، هذا التباين الذي لم يقتصر على مضمون الفيلم ورسائله العديدة، بل امتد ليشمل تقنياته ومعالجاته الفنية والإخراجية.

وسعت الحسن في فيلمها الوثائقي التاسع إلى منح الصورة المنقولة عبر عين كاميراتها مساحة أكبر مما فعلته في أعمالها السابقة، واعتمدت في الفيلم الذي صورته في أماكن عديدة على أسلوب التنقل المشهدي الدلالي المتتابع، تاركة للمتلقي شكل ودرجة الربط بين تلك المشاهد والمفاصل التي منحت بعضها عناوين فرعية داخل الإطار العام والخط العام لفيلمها الذي امتد على مساحة زمنية بلغت حوالي 65 دقيقة.

وكما في كثير من أفلامها السابقة استثمرت الحسن التي درست الإخراج في إنجلترا، تلقائية الطفولة في منح مشاهد فيلمها بعض العفوية وخفة الظل، وهو ما فعلته في مرتين رئيستين في "دايما اتطلعي بعيونهم" واحدة منها كان قفلة مشهد النهاية عندما تركت عددا من الأطفال يختصرون الحرب والمواجهة والنضال من أجل حق مغتصب والصراع على الجغرافيا والتاريخ، إلى مجرد لعبة ينقسم الصغار من أجلها إلى فريقين؛ واحد يمثل جنود الاحتلال والآخر يمثل المقاومين والمنتفضين وأطفال المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية.

وعبر قصة الجاسوس الإسرائيلي (أبو الريش) الذي ذاع صيته إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، تفرد الحسن مساحة متنوعة الوجوه ومستويات الدلالة، لعدد من صور العلاقة بين المحتل (الواقع عليه فعل الاحتلال) والمحتل (المرتكب لهذا الفعل).

ويظل المشهد الأخير في الفيلم الذي قدّم فيه الفنان محتسب عارف مقاربة درامية لشخصية (أبو الريش)، الأكثر إشكالية بحسب الحضور واستنادا لحوارات ما بعد العرض، خصوصا السؤال الملح من بعضهم حول مكان وقوف المخرجة من تأويل محرج لذلك المشهد، يراها فيه متنصلة من غائية النضال، وكما لو أنها تعلن عن ملل الناس من طول ذلك النضال ومن وصول المقاومة إلى أفق مسدود يشبه ألعاب الصغار التي يتعلق معظمها بشكل من أشكال إضاعة الوقت واللهو والعبث غير المسؤول عن تبعاته.

وتلخصت نقاشات ما بعد العرض حول ما تريده المخرجة من هذا المشهد أو ذاك، وعبرت أخرى عن تحفظها على ضعف تقنيات الفيلم (ارتجاج الكاميرا وعدم وضوح الصوت كما في مداخلة بعينها)، وهو ما دافعت عنه مداخلة أخرى رائية أن تلك الرجة منحت الفيلم تلقائية ما.

وجاءت الإشارة المتعلقة بعنوان الفيلم في تلميح واحد عندما تركت المخرجة المناضلة الفلسطينية ليلى خالد تتحدث عن تجربتها النضالية أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، وهي المداخلة التي كشفت فيها خالد أن التقنية النفسية التي انتهجتها في مواجهة حالات التفتيش في المطارات واحتمال تعرضها لانكشاف أمرها (ارتبط اسم ليلى خالد بعدة عمليات خطف طائرات)، هي النظر المباشر والواثق في عيني رجل الأمن الذي يجري عملية التفتيش والتحري "دايما اتطلعي بعيونهم".

وتسلط الحسن في فيلمها الجديد، الضوء على قضايا عديدة تدور حول الطرق المستخدمة للتواصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتقدم صورة للعلاقة بينهما عبر تناول مفهوم الإسرائيلي لدى الفلسطيني.

وتشير في حديث مع "الغد" إلى أنها سمعت قصصا وروايات كثيرة حول شخصية أبو الريش "ذلك الرجل الذي كان على هيئة متسول يضع الريش على قبعته". وأهمية ابو الريش في هذا الفيلم تأتي لرمزيته، متسائلة "هل كان الناس سيتعاملون معه لو علموا بأنه إسرائيلي؟".

وتقول الحسن حول عنوان الفيلم "إن النظر المباشر في عيني الشخص يعطي انعكاسا مباشراً بأن الشخص المقابل ليس خائفاً وليس المقصود عملية محاولة الاتصال بالآخر".

وتضيف حول مسألة النظر إلى عيون الآخرين "إنها تزرع القوة والسلطة ويساعد في التغيير، وبخاصة النظرة الندية"، مشيرة إلى صعوبة النظر إلى عيون العدو في الاحتلال، "ولكن لا بد من النظرة الندية مع العدو التي تعطي السلطة".

وتبدأ حكاية الفيلم الذي تم عرضه في رام الله وبرلين ولندن وفرنسا، من قصة للكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي التي تروي قصة فلسطيني كان يريد الهجرة عام 1948، ولكنه قرر العودة ليجد في منزله يهوديا ألمانيا يريد أن يسكنه، ويلتقي الاثنان في المنزل وبعد صمت طويل استمر 12 ساعة يرحل اليهودي عن المنزل.

ومن أفلام الحسن: "ملوك وكومبارس" الذي يتحدث عن أرشيف السينما الفلسطينية الذي ضاع العام 82 في بيروت، وفيلم "3سم" وفيلم "زمن للأخبار" و"المكان" و"كوشان موسى".

ونالت الحسن التي تخوض تجربة فيلم جديد 4 جوائز على افلامها منها جائزة "بي بي سي" عن فيلم "زمن للأخبار" وجائزة من لجنة التحكيم في مهرجان الجزيرة عن أفضل نص عن فيلم "كوشان موسى"، وجائزة إيطالية كانت تسلمتها الحسن عن فيلمها "ملوك وكومبارس".