في "كورونا".. الإشاعات "تنهش" الحقيقة وتجد بيئة خصبة عبر منصات التواصل

تغريد السعايدة

عمان- ما نسبته 71 % من حجم الإشاعات التي انتشرت في الأردن، كان مصدره مواقع التواصل الاجتماعي، هذا ما أكده مرصد "أكيد"، في دراسة متخصصة للعام 2020، وما تزال حتى الآن تتصدر المعلومات المغلوطة الكثير من منصات التواصل، وتجد بيئة خصبة لها، ومتابعة كبيرة.اضافة اعلان
أحداث كثيرة ومتتابعة شهدها العام الماضي بكل تفاصيله منذ بداية انتشار جائحة كورونا، إذ ألقت بظلالها على كل القطاعات في العالم أجمع، فكان انتقال الخبر من مجتمع لآخر وشخص لآخر، سبباً في نمو ظاهرة الإشاعات وتطورها، والتي أثبتت دراسة أنها تضاعفت بشكل واضح عن الأعوام السابقة.
مرصد "أكيد" لمتابعة الأخبار الصحفية، بين الزيادة الكبيرة في عدد الإشاعات التي تدور في مختلف مضامينها حول القطاع الصحي، حيث تم رصد "569 إشاعة" خلال العام 2020، بما يعادل 47.4 إشاعة شهرياً، فيما كانت في العام 2019 "487" إشاعة.
وأغلب تلك الإشاعات المتداولة كانت فيما يخص القطاع الصحي، كون الحدث الأبرز كان خلال هذا العام هو كل ما يتعلق بجائحة كورونا، وما يدور حولها من تفاصيل، وكانت مدار حديث واسع خلال فترة الحجر على مواقع التواصل الاجتماعي من أشخاص يتابعون الأخبار من جهات عدة "رسمية وأخرى مجهولة المصدر"، ما زاد من فرصة انتشار الإشاعات التي أثرت بشكل كبير على المجتمع ورفعت من نسبة القلق لدى الناس.
"أعداد المصابين، المخالطين، الوفيات، سبب الانتشار، ظروف وقف العمل، أيام الحظر، والكثير من التفاصيل"، كانت سبباً في نشر الإشاعة في المجتمع، وليس فقط على المستوى المحلي وإنما على مستوى الدول العربية وفي العالم أجمع، فيما يرى متخصصون أن اعتماد الناس على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد بيئة خصبة ومساحة مفتوحة لتبادل الأحاديث ومن ثم بث الإشاعات غير الدقيقة المصدر والمعلومة.
ولكن تداخل المعلومات الصحية مع الأحاديث التي تُبث خلال الفترة ذاتها، كان سبباً في تشتت الأفكار لدى أبناء المجتمع، ومن ثم عدم معرفة الحقيقة من الإشاعة، لذلك، عمدت الجهات المتخصصة، ومنها الأمنية، على محاولة الحد من نشر تلك الإشاعات عبر الخروج في بعض الأحيان لتأكيد معلومة أو نفيها، إلا أن نسبة كبيرة من الناس، بقيت على تصديق تلك المعلومات المغلوطة على حساب المعلومات الصحيحة.
ولتأكيد دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الإشاعة، فقد بين "أكيد" أن ما نسبته 71 % من حجم الإشاعات التي انتشرت في الأردن، كان مصدرها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عمد العاملون على البحث في "أكيد"، على وضع أخبار عدة تم تداولها منذ بداية انتشار الجائحة وتبيان عدم واقعيتها ونفي الجهات الرسمية لها آنذاك، وفي غالبيتها أخبار تتحدث عن "كورونا".
عميد كلية الإعلام في جامعة البترا الدكتور تيسير أبوعرجة، يبين أن ازدياد وتيرة الإشاعات ووجود أرض خصبة سببه غموض الموقف حينها حول فيروس كورونا وعدم وجود أجوبة كافية أو مقنعة للكثير من الأسئلة التي يطرحها الجمهور، خصوصاً أن تطورات الأحداث جاءت بظروف مخالفة ومناقضة لما كان يطرح من إجابات عن الأسئلة، الأمر الذي أوجد حالة من الغموض والارتباك لدى الجمهور وأوقع المصادر الصحية في حيرة من الأمر أيضاً.
ويضيف أبوعرجة أن دور الإعلام وبث المعلومات الدقيقة والصحيحة كان يتم بحسب ما يتوفر من معلومة لديها وكان معظمها يركز على شروط الوقاية وأخد الاحتياطات اللازمة للحماية من المرض والعدوى، ولكنها لم تأت بكثير من الإجابات التي يبحث عنها الجمهور لجهة معرفة أكبر عن آثار الإغلاقات والحظر الكامل، خصوصاً في الجوانب الاقتصادية والمعيشية.
هذا الحال بكل ما حدث فيه من تفاصيل، كما يرى أبوعرجة، أسهم في أن يكون الوضع متاحاً لانتشار الإشاعات، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وما تتصف به من تشاركية في المعلومات والآراء، وقد خلت في كثير منها من الدقة ونُشرت الإشاعات التي استثمرت غموض الواقع والخوف من المجهول، ناهيك عن أخبار المعدلات العالية من الوفيات في عديد الدول.
بيد أن أبوعرجة يؤكد أن غياب الصحف الورقية وتوقف طباعتها في أوقات الحظر والاكتفاء بالمواقع الإلكترونية الخاصة بها، أتاح المجال الأكبر لمواقع التواصل الاجتماعي لتكون لها الفرصة بالتمدد بكل ما "تعج" به من أفكار وأقوال تختلط فيها المعلومات من دون أي ضوابط تُذكر.
كما صنف "أكيد" تلك الإشاعات بحسب مضمونها، من إشاعات في القطاع الصحي، السياسي، الاقتصادي، الأمني، الاجتماعي، إشاعات تتعلق بقضايا الشأن العام، كما تم تحديد مصدر تلك الإشاعات، سواء أكانت محلية أو خارجية، أو من مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل البث المختلفة التي عمد الأردنيون طيلة الفترة الماضية على البحث والتحري للحصول على إجابات لفضولهم وخوفهم وقلقهم من المرض، وما تبعه من قضية اللقاح الخاص بذلك، ما تسبب في وجود سيل من الإشاعات التي ما تزال آثارها بادية لغاية الآن.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، بين في حديثه لـ"الغد" عن الإشاعة وتأثيرها على المجتمعات أن انتشارها من شأنه أن يحرم المواطن من حقه في الحصول على المعلومة الصحيحة والأكيدة المضمون والمصدر، وهذا يسهم إلى حد كبير في زرع الشكوك وزحزحة الثقة بالمصادر المأمونة المعلومة، وكلما تم تداولها بين الناس زادت خطورتها على المجتمع.
ويعتقد جريبيع أن الإشاعة لها أسباب عدة لزيادة سرعة انتشارها في الوقت الحالي، ولعل من أبرزها وجود مواقع التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة، على الرغم من أن الإشاعة موجودة منذ القدم، وتتعدد أشكالها، بيد أن مواقع التواصل تسهم في سرعة الانتشار واختلاف المضمون مع ازدياد تردد الإشاعة بين الناس، خاصة أن من يطلق تلك الإشاعات قد يجد في مواقع التواصل وسيلة للتهرب والاختباء خلفها بأسماء وهمية تجعل من الصعوبة بمكان تحديد مطلق الإشاعة.
الإشاعات تنمو بسبب فضول الناس إلى معرفة الكثير بوقت سريع، وفق جريبيع، والذين عادة ما يعيشون في ظروف تسهم في زيادة الإشاعات، كما في الكوارث والحروب والنزاعات، أو كما حدث خلال ظهور وباء كورونا، فيظهر لنا أشخاص لديهم شعور بقدرتهم على معرفة ما سيحدث، فيعكفون على إطلاق الإشاعات والأخبار الكاذبة، سواء أكانت أخبار "سعيدة أو سيئة"، ولكنهم يجدون من يصدقهم ويساعدون على نشرها بطرق مختلفة.
ويشدد جريبيع على أن الإشاعة هي وسلة لسلب المجتمع والأفراد حقهم في الحصول على المعلومة الصحيحة التي يحددون مسار حياتهم بناءً عليها، وتعمل على بث أفكار وصور نمطية سيئة عن المجتمع، وتثير الخوف والرعب في المجتمع، عدا عن التأثير النفسي والصحي على من يصدقون تلك الأخبار الكاذبة، وخوفهم من الإقدام على اتباع الإجراءات الصحيحة لمواجهة الوباء.