قضية فلسطين هي الخاسر الأول

كانت قضية فلسطين، منذ اغتصاب اليهود لها وقيام
"دولة" إسرائيل، وحتى فترة قريبة، هي القضية المركزية أو الأولى في العالم؛ لشرفها وعدالتها. وقد ظلت كذلك إلى أن وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو الكارثية مع إسرائيل، العام 1993، وقبلت بإقامة حكم ذاتي للسكان، من دون الأراضي تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. اضافة اعلان
لقد خيّل للناس بأوسلو أن القضية سويت، أو على طريق التسوية، فانتقلت من بؤرة شعورهم أو اهتمامهم إلى الهامش. ومن جهة أخرى، أدت تفجيرات "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بالمدنيين اليهود المصادقين (كان جميعهم من "السفرديم" أو اليهود الشرقيين، لأن "الأشكناز" أو اليهود الغربيين، يملكون سيارات خاصة، فلا يوجدون في الكراجات والباصات والحدود ليقتلوا بالتفجيرات) إلى فك الارتباط بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع؛ الارتباط اليومي الذي كان يمكن أن يؤدي -لو استمر- إلى قيام الدولة الواحدة على الرغم من إسرائيل. فقد سهّلت التفجيرات، أو مكّنت إسرائيل من بناء الأسوار والحواجز المادية والبشرية المؤقتة والدائمة، ومنع الطير الفلسطيني من العبور إلى الداخل أو يُقتل. لكن "حماس" فازت بالشعبية بتفجيراتها التي كانت تشفي غليل النفوس الفلسطينية والعربية والمسلمة الجائعة إلى الانتقام. وسيطر مرشحوها على الانتخابات للمجلس التشريعي، وإن لم يؤدِ ذلك إلى نتيجة مشرّفة في النهاية.
كان هاجس "حماس"، إذن، هو السلطة أو الشعبية، ولو تحت حراب الاحتلال. ثم جاءت التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة، لتجهض القضية وتقضي عليها بتفجيراتها ومذابحها بحق الناس الأبرياء، المسلمين وغير المسلمين، حتى وإن كانوا من أبناء الوطن، أو تهديدها لهم بالجزية أو الرحيل، وكأنها تقتبس سياستها من إسرائيل في دير ياسين وقبية ونحالين وغيرها، في تهجيرها للشعب الفلسطيني من وطنه!
لقد حوّلت جرائم هذه التنظيمات أنظار العالم عن قضية فلسطين، وصرفتها عنها، وجعلت الناس، بمن في ذلك كثير من العرب والمسلمين، يقارنون جرائمها بجرائم إسرائيل ويقولون إن إسرائيل أرحم. الأمر الذي لم يخطر يوماً على بال أحد قوله.
لقد شوهت هذه التنظيمات الإسلامية بأفعالها المنكرة، صورة الإسلام وصورة المقاومة. وقضية البنك العربي في نيويورك تقع في هذا الإطار.
كان بإمكان تنظيم "داعش" استقطاب العالم لقضية فلسطين وقضايا العرب، لو أنه أعلن بعد استيلائه على الأرض والقرى والمدن العربية والكردية في سورية والعراق، أنه بصدد إقامة دولة إنسانية لا تفرق بين دين ودين، أو طائفة وأخرى، أو لون وجنس. لكنه جعل الأمر بالعكس؛ فيا للغباء ويا للشقاء!
وبالنسبة لإسرائيل، كان ذلك سعياً مشكوراً لإضفاء الحق على مطالبتها بيهودية الدولة، وتصديق روايتها، لدرجة جعلت كثيراً من العرب والمسلمين عندما تحشرهم جرائم هذه التنظيمات في الزاوية، يتهمونها بأنها من منشأ إسرائيلي أو أميركي، وليس من التربة العربية الإسلامية الصالحة لاستنابتها ونموها.