ماذا وراء إغضاب أردوغان لإيران

أحوال تركية – (أحوال تركية) 2020/12/12

أنقرة - أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غضب إيران بتلاوته قصيدة تتضمن دلالات على أن المناطق الشمالية الغربية الإيرانية هي جزء من أذربيجان، مما دفع طهران إلى استدعاء السفير التركي لديها للاستفسار حول تعليقات أردوغان "التدخلية وغير المقبولة"، مطالبة بـ"تفسير فوري".اضافة اعلان
اختار أردوغان زيارته لأذربيجان التي جاءت في سياق الاحتفال بما يمكن توصيفه بنشوة النصر في إقليم ناغورني قره باخ، ليثير حساسيّة إيران بالحديث عن الحلم القومي الأذري، وإشارته إلى مناطق حدودية في إيران يسكنها الأذريون، ما قد ينذر طهران بوجود نوايا مبيّتة لتفتيت وحدة أراضيها، أو التهديد بافتعال أزمة محتملة فيها، ولا سيّما أنّ الوضع الداخلي الإيراني يعاني من هشاشة واضحة نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية التي فرضتها العقوبات الأميركية والغربية.
استفزّ أردوغان الإيرانيين وأغضبهم بإطلاقه سباق القومية في مواجهة المذهب، وأطلق بذلك سباقاً قومياً لتأليب الأذريين على النظام الإيراني بطريقة غير مباشرة، متجاهلاً عن عمد الجانب المذهبيّ الشيعيّ بين الأذريين والفرس، والذي يكون قوياً في الحالة الإيرانية، خاصة وأنّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي ينحدر من شيعة أذربيحان، من أب أذري وأم فارسية.
ويراهن أردوغان على اللغة التركية وعلى الرابط القومي من أجل استعادة نفوذ بلده شرقاً في القوقاز، وفي الدول التي يعتبرها امتداداً للسلطنة العثمانية، ومتّخذاً من الروابط القومية واللغوية جسوراً للتدخّل تمهيداً لتعزيز سيطرته عليها، وجعلها حديقة خلفية شرقية لبلاده، متجاهلاً حقائق الواقع وتغيّرات الزمن والسياسة الإقليمية والدولية.
ويشير محللون إلى أنّ أردوغان يوظّف القومية والمذهب عند الحاجة وبحسب الطلب، فتراه يقدّم نفسه ممثّلاً للسنّة وراعياً للإسلام السياسيّ حين يخاطب شعوباً تتقاطع معه في المذهب السنّيّ، وتراه يتجاهل ذلك حين يتوجّه بخطابه إلى شعوب تتقاطع معه في الجانب القومي وتختلف في الجانب المذهبيّ، كما في الحالة الأذرية.
خلال زيارته لأذربيجان تلا أردوغان قصيدة لشاعر إيراني من أصل أذربيجاني تتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن التاسع عشر. وأبدت طهران قلقها من أن تعزز تصريحات أردوغان الميول الانفصالية بين أبناء الأقلية الأذرية في إيران.
ولا يخفى أنّ إيران تعيش عزلة في المنطقة بسبب سياساتها وتدخّلاتها في عدد من الدول– العراق، وسورية، ولبنان، واليمن– ومحاولتها الدائمة تشكيل كيانات موازية للدولة في المناطق التي تتدخّل فيها، وتعمل على هدم مؤسسات الدولة من خلال وكلائها الذين يسعون إلى الهيمنة على تلك المؤسسات، ما يغضب الدول الإقليمية والغربية.
ويلفت محللون إلى أنّ اختيار أردوغان لليوم الذي فرضت فيه الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات على بلاده كي يغضب إيران، يأتي في سياق محاولته استرضاء حلفائه الغربيين في حلف "الناتو"، وتوجيه رسالة تفيد بأنّه متّفق معهم في الموقف من إيران، وأنّه على استعداد لإزعاجها وإرباكها داخلياً عند الحاجة، وأنّ كل ما يلزم هو الرضا الغربي والأميركي عن سياساته وعدم التعامل معه بأسلوب العقوبات الذي تمّ التعامل به مع طهران.
كما يشير المحللون إلى أنّ أردوغان يدرك أنّه أمام ساعة الحسم، وأنّ هذه المرحلة لا تحتمل اصطفافات تكتيكية إلى جانب إيران المعزولة إقليمياً ودولياً، وأنّ أيّ تقرّب من إيران يضعه في خانة أعداء دول إقليمية، وإسرائيل وأوروبا والولايات المتّحدة، وهو الذي لا تنقصه الأزمات السياسية التي تثقل كاهل بلاده، كي يزيد متاعبه ويغوص في رمال التقرّب من إيران.
تمر إيران، التي توصف بأنّها تتخبط في متاهة الاضطرابات السياسية الداخلية منذ اغتيال محسن فخري زاده عرّاب برنامجها النووي، بمرحلة حرجة، ولا سيما مع زيادة الضغوطات عليها وتغير نبرة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بشأن الاتفاق النووي، وقبلها تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، وأخيراً الاتهامات القديمة-الجديدة من السعودية بزعزعة استقرار المنطقة. وتواجه إيران مصاعب مضاعفة بالنظر إلى تعدد الأجندات الإقليمية، ومن دون أن تكون هناك استجابة لمطالب جيرانها بوقف التدخل في شؤون الدول العربية، وخاصة العراق وسورية واليمن، فإنها ستجد نفسها وهي تعود إلى المربع الأول لأزماتها.
وكان ما زاد من مشكلات النظام وصول الاحتجاجات في إيران إلى ذروة جديدة الأسبوع الماضي، بسبب ارتفاع نسبة الفقر بنسبة 80 في المائة في العامين الماضيين، وقد فاقمت الجائحة من المشكلة، واستولى ضحايا الفيضانات على بلدية سار بندر احتجاجاً على ذلك.
كما أن قضية الدبلوماسي الإيراني أسد أسدي، التي تم الاستماع إليها في بلجيكا، قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأكملها للمحاكمة. وقد تسببت هذه القضية، وهي مزيج من التجسس والإرهاب، في إذكاء التوترات بين النظام الإيراني وعدة دول أوروبية. وأصدرت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البلجيكي قراراً رداً على ابتزاز طهران ومطالباتها بالفدية.
أمام هذه المستجدّات والوقائع، لا يملك الرئيس التركي رفاهية اللعب على الأضداد واستغلال أوراق الضغط والخلاف لمسايرة إيران أو تعزيز موقفها التفاوضي مع الولايات المتّحدة أو الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن مساعيها لترميم علاقاتها المتردية مع إسرائيل، لذلك فإنّ تصعيد أردوغان "الشعريّ" ضدّ إيران يأتي في وقت محسوب بدقّة، لوقف خسائره، أو تحجيمها قدر الإمكان.
وفي إطار التصعيد السياسي المتبادل بين أنقرة وطهران على خلفية إلقاء أردوغان قصيدة تتضمن دلالات على أن المناطق الشمالية الغربية الايرانية هي جزء من أذربيجان، انتقد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الجمعة هذا "الخطأ" الذي ارتكبه الرئيس التركي.
وكتب ظريف على تويتر: "لم يخبر أحد الرئيس أردوغان أن ما تلاه بشكل خاطئ يشير الى الفصل القسري لمناطق في شمال آراس عن الوطن الأم في ايران". وأضاف ظريف متوجها الى أردوغان: "ألم يلاحظ أنه كان يقوض سيادة جمهورية أذربيجان"، متابعاً: "لا يمكن لأحد التحدث عن أذربيجان العزيزة".
وتعيش في إيران جماعة كبيرة من السكان من القومية الأذرية، وخاصة في المحافظات الشمالية الغربية المحاذية لأذربيجان وأرمينيا والتي يفصلها عن أذربيجان نهر آراس.
ووفقا لوكالة "إيسنا" الإيرانية، فإن القصيدة تعد "واحدة من رموز الانفصاليين الأتراك". ولفتت إلى أن الأبيات تشير الى نهر آراس و"تشكو من المسافة بين الأشخاص الذين يتحدثون بالأذرية على ضفتي النهر".
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها استدعت السفير التركي في طهران حول تعليقات أردوغان "التدخلية وغير المقبولة"، مطالبة بـ"تفسير فوري". وتم إبلاغ السفير التركي أن "حقبة ادعاء السيادة على الأراضي والترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية قد ولت". وأشارت إلى أن إيران "لا تسمح لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها".
بدورها استدعت الخارجية التركية في وقت لاحق يوم الجمعة سفير إيران لدى أنقرة، وفق ما ذكرت وكالة الأناضول التركية الرسمية. وأبلغت الخارجية السفير الإيراني أن الادعاءات بحق أردوغان "لا أساس لها" وأنه "من غير المقبول" أن يغرد ظريف بدلاً من استخدام قنوات أخرى للتعبير عن "انزعاجه".
ويتحدث الأذريون لغة قريبة الشبه من التركية، لكن أغلبهم شيعة. وتتاخم منطقة أذربيجان الإيرانية الحدود مع أذربيجان التي كانت جمهورية سوفياتية سابقة. وأصبحت تركيا حليفاً لأذربيجان وساعدتها في تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض في مواجهة الأرمن في معارك انتهت بوقف لإطلاق النار الشهر الماضي.