منتخب السلة.. ‘‘صقور‘‘ بلا مخالب ومدرب في مواجهة الإنتقادات

مدرب المنتخب الوطني لكرة السلة سام دغلس يوجّه اللاعبين خلال المباراة أمام الصين أمس -(موقع فيبا)
مدرب المنتخب الوطني لكرة السلة سام دغلس يوجّه اللاعبين خلال المباراة أمام الصين أمس -(موقع فيبا)

أيمن أبو حجلة

عمّان – "المنتخب الصيني يبين للأردني أن الفوز لا يتعلق بالطريقة التي تبدأ بها المباراة، بل الطريقة التي تنهيها"، بهذه العبارة خرجت الصفحة الرسمية للاتحاد الدولي لكرة السلة (فيبا) أول من أمس، بعد خسارة المنتخب الوطني أمام مضيفه الصيني بنتيجة 79-88 في ثاني مبارياته بالدور الحاسم من التصفيات المؤهّلة إلى نهائيات كأس العالم 2019 المقرر إقامتها في الصين.اضافة اعلان
الخسارة كانت صادمة، خصوصا وأنها تحققت بعد تقدّمنا في الأربع الثلاثة الأولى، فوصل الفارق في الربع الأول إلى 14 نقطة، وفي الثالث إلى 9 نقاط، لكن الفريق انهار فجأة دون مبرّرات في الربع الأخير، في سيناريو مشابه للذي حدث في مباراة الخميس الماضي أمام كوريا الجنوبية.
هناك رد فعل جماهيري غاضب سواء من الشارع الرياضي الأردني عامة والسلوي خاصة، تجاه الجهاز الفني واللاعبين، فلا يوجد أي تفسير منطقي يمكن تفهمه لما حدث، فالأفضلية لصالح المنتخب الوطني كانت واضحة رغم أنه ليست أفضلية مطلقة بمعنى الكلمة، وبدأ الحديث عن حدوى التحضيرات الطويلة، أو المعسكرات التركية، أو الغياب عن دورة الألعاب الآسيوية، لكن الأمر الأكيد هو أن أمورا فنية صعبت على الفريق التأهّل إلى كأس العالم.
إدارة المباريات
يدرك المتابع لكرة السلة أن الربع الأخير هو الربع الذي تظهر فيه حنكة المدربين، لا سيما في حال كانت النتيجة متقاربة، حيث يتوجب على المدرب وضع الخطة المناسبة، وإجراء التبديلات بحذر، وتشديد الدفاع ومراقبة مفاتيح الخصوم، إضافة إلى طلب الأوقات المستقطعة في التوقيت المناسب.
هذا ما لم يحدث إطلاقا في المباراتين أمام كوريا الجنوبية والصين، فقد انهار المنتخب تماما وسط ضغط وحصار من لاعبي الخصم، خصوصا في المباراة الأخيرة، وتأخر المدرب كثيرا في إشراك دار تاكر في الدقائق الأخيرة بعد حصوله على الخطّا الشخصي الرابع، رغم الحاجة الماسة لقدراته الفردية، كما أن عدم طلب وقت مستقطع عندما سجّل المنتخب الصيني النقاط تلو الأخرى، كان أمرا مستهجنا.
هذه المعطيات تجعلنا نتساءل، ماذا يحدث في الجهاز الفني؟ المدرب سام دغلس بات يتعرض أكثر من أي وقت مضى، لحملة انتقادات شرسة، تركز خصوصا على كيفية إدارته للعبة خلال الأوقات الحاسمة، ويتسلح النقاد في هجومهم، بالضعف الذي ظهر في هذه الناحية خلال المباراة الأولى بالدور الأول من التصفيات أمام لبنان عندما كاد الفريق يفقد زمام السيطرة في الدقيقتين الأخيرتين، وتكرر الأمر ذاته في المباراة الثانية أمام لبنان عندما خسر الفريق بفارق نصف سلّة، ثم كان الإنهيار في الربع الأخير من مباراتي كوريا الجنوبية والصين بمثابة الضربة القاضية.
ينادي المراقبون بالتعاقد مع مدرب صاحب سيرة ذاتية دولية على شاكلة المدربين السابقين ماريو بالما وتوماس بالدوين، بعدما بانت مشاكل فنية لا يمكن تجاهلها، في وقت فقد فيه دغلس ثقة الشارع، لكن بالنظر مرة أخرى إلى المباريات بعد هدوء العاصفة، فقد نخرج باستنتاج جديد، فهل يعقل أن دغلس الذي كان - برأي زملائه القدامى – المدرّب الفعلي على أرض الملعب خلال الفترة الطويلة التي قضاها كلاعب في صفوف المنتخب الوطني، غير مدرك لمشاكل فريقه في الربع الأخير أو يجهل أهمية طلب وقت مستقطع من أجل قطع الحالة الذهنية المثالية للاعبي الخصم؟
لم يأت تعيين دغلس في مقعد المدرّب وليد الصدفة، وإن لقي معارضة آخرين بسبب قيمة عقده مقارنة بخبرته كمدرب، ولا يمكن للاعب سابق صال وجال وحقّق الكثير ويعرف إمكانيات لاعبيه تمام المعرفة، أن يجهل أمورا أساسية في عالم التدريب مثل دراسة مفاتيح الخصم، أو التركيز خلال التدريبات على تطبيق خطة اللعب، فهو وكما ذكرنا سابقا، من العقليات التي تستحق التقدير فكرة السلة الأردنية، لكن لا يوجد مجال للشك فإن قراراته في اختيار طريقة اللعب أو التبديلات، لم تكن موفّقة في هذه الفترة الحرجة، إلا أنه لا يتحمل وحده مسؤولية الانهيار أيضا.
لكن قبل المبالغة في الهجوم على رجل قدم الكثير للسلة المحلية، علينا الاستماع منه لحقيقة ما جرى، ومنحه الفرصة لإبداء وجهة نظره، قرار الاستغناء عنه لا يبدو مطروحا حتى هذه اللحظة ولا يبدو حتى منطقيا رغم غضب الشارع المفهوم، وإن فهمت "الغد" أن لجنة المنتخبات في اتحاد السلة، خرجت بتقييم فنّي لم يرق لطموحه بعد المباراة الثانية أمام لبنان، كما أنها طلبت من الاتحاد الدولي (فيبا) تقييم لجنتها الفنية من مباراة الصين، حيث ستجتمع مع الجهاز الفني لمناقشة ما حدث، خصوصا وأن الاتحاد أيضا طلب تقريرا مفصلا عن المعسكر التركي الذي أقامه المنتخب قبل مباراة كوريا وامتد لـ12 يوما.
المعسكر
وبمناسبة الحديث عن الاستعدادات، فلا يوجد شك في أن المغادرة مبكرا لأداء معسكر طويل في تركيا، لم يكن له مبرّراته، لأنّه لم يكن ممكنا الاستفادة خلاله من خدمات الثنائي دار تاكر وأحمد الدويري، وانضم أمين حوّاس للتدريبات بعد 5 أيام على وصوله لتركيا، فيما غاب محمد شاهر وموسى العوضي عن مباريات الفريق بسبب الإصابة، تعرّض محمود عابدين لإصابة بسيطة جعلته بغيب احترازيا معظم المباريات، ما يعني أن لاعبا أساسيا واحدا خاض المعسكر كاملا وهو زيد عبّاس.
المطلوب في المرحلة المقبلة، وبالتحديد قبل انطلاق النافذة الخامسة من التصفيات، التحضير بشكل عقلاني، فربما يكون معسكرا محليا مغلقا أكثر جدوى من السفر للخارج وإجراء مباريات مع منتخبات تنتمي لمدارس سلويّة لا تمت بصلة بالمنتخبات التي سيواجهها الفريق خلال التصفيات، كما يجب التركيز على خطط اللعب من خاج القوس، لأن الدويري لن يكوت متواجدا على الأعلى، بسبب التزامه بالمشاركة مع فنربغشة المشارك ببطولة "يوروليغ". 
الأمر الذي لا يمكن فهمه بشأن المعسكر، أن معظم اللاعبين الذين خاضوا المباريات خلاله، لم يقدّموا أي إضافة تذكر أمام كوريا الجنوبية والصين، فلم يظهر عابدين وأبو حوّاس وأحمد حمارشة وسنان عيد بشكل مقبول على الإطلاق، والأوّل على وجه الخصوص كان خارج التغطية أمام الصين باستثناء الدقائق الثلاث الأخيرة، من الناحيتين الدفاعية والهجومية.
المعالجة الفنية
إلى ذلك، لا يعقل إطلاقا أن تقل نسبة نجاح التصويبات الثلاثية عن 10 % (2 من أصل 21)، فهل كان الفريق يتدرّب فعلا عن زيادة فاعلية التصويبات؟ خصوصا وأن نواياه كانت واضحة خلال المباراتين في اللعب من الخارج (أوت سايد) رغم السلاح المهم الذي يتمتع به تحت السلة والمتمثل بالدويري.
لا يوجد عمل جماعي يستحق الذكر من الناحية الفنية في صفوف الفرق، ولو أخرجنا تاكر وعبّاس والدويري لاختفى المنتخب تماما وسط تواضع مستوى الآخرين، والاتهامات التي تعرض لها عباس خصوصا، ليست منطقية، لأنه أخذ على عاتقه قيادة زملائه وتجرا ولعب بكل طريقة ممكنة من أجل الوصول بالفريق إلى بر الأمان، وأرقامه في المباراتين، تدل على فاعلية لا يمكن نكرانها.
عدد التمريرات الحاسمة (أسيست) في المباراة الأخيرة كان معيبا (14)، وهو ما يدل على النزعة الفردية الطاغية في صفوف الفريق، خصوصا من قبل تاكر الذي يبدو في كثير من الأحيان، غير واثق من بقية زملائه.
والسؤال الأكثر أهمية، هل كان الفريق متحدا؟ هل كان ملتزما تكتيكيا بخطط المدرب حتى وإن لم يوفق الأخير في قراراته؟ وهل حصل دغلس المدرب على الاحترام الذي حظي به في مسيرته كلاعب؟
وعند المقارنة بين الفريق الحالي والفريق الذي تأهّل لمنافسات كأس العالم 2010، نجد لاعبين سابقين كانوا يمتلكون قدرات مميّزة في التصويب مثل انفر شوابسوقة ووسام الصوص ناهيك عن راشيم رايت، أمّا الآن فلا يوجد من هو مميّز في هذه الناحية سوى تاكر، ونضيف إلى ذلك أن مفهوم كرة السلة الحديثة يقوم على وجود لاعبي ارتكاز يتمتّعون بتصويب مميز من خارج القوس مثل زيد الخص وأيمن دعيس، وهو ما نفتقده حاليا.
الروح
وفي النهاية فإن الروح القتالية العالية أمر بالغ في الأهمية ولم نعد نمتلكه، رغم إقرارنا بالأداء الرجولي والغيرة العالية التي ظهر عليها زيد عباس، وربما بات لزاما على المدرب أي كانت هويته، البحث عن أسماء أخرى لإكسابها الاحتكاك اللازم.
نتفهم وجهة نظر دغلس في عدم رغبته بإضافة لاعبين جدد للفريق حاليا من أجل الحفاظ على "كيميائية" الفريق، لكن هذه الكيميائية لم تعد موجودة، فقد شهدنا على السنوات الماضية استدعاء لاعبين بشكل مستمر لا يقدمون أي إضافات تذكر، وربما حان الوقت لتجربة أسماء أخرى برزت في الدوري الممتاز، لا سيما في المراكز التي ظهر فيه مكان ضعف واضحة.
على الاتحاد التفكير في تشكيل فريق رديف من لاعبي الدوري المميزين، كي يشعر اللاعبون المتواجدون حاليا بالخطر الذي يحدّق بهم، ويمكن استخدام هذا الفريق لخوض مباريات ودية مع المنتخب الأول، أو حتى إشراكها في بطولات الصف الثاني" من حيث الأهمية، مثل دورة الألعاب الآسيوية أو كأس ويليام جونز، مع إحضار خبير دولي للفئات العمرية والتعاون مع الأندية لإفراز أجيال جديدة قادرة مواصلة النهضة السلوية في المملكة، خصوصا وأن مجموعة من لاعبي المنتخب الحاليين تعدّوا الثلاثين عاما مثل عبّاس والعوضي وعابدين، وهم أعمدة لا توجد لها بدائل بمعنى الكلمة حاليا.