الرئيس أوباما.. أربعة أعوام أخرى؟

الرئيس الأميركي باراك أوباما مع شعار "التغيير" الذي خاض على أساسه حملته الأولى - (أرشيفية)
الرئيس الأميركي باراك أوباما مع شعار "التغيير" الذي خاض على أساسه حملته الأولى - (أرشيفية)

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 1/9/2012

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

في دنفر، قبل أربعة أعوام، أعلن مرشح رئاسي ملهم بأنه سيغير أميركا. وتعهد باراك أوباما في حينه بأن ينحي الخلافات الحزبية جانباً، وباستعادة الأمل لأولئك الذين يعانون من البطالة، والبدء في عملية إنقاذ الكوكب من الاحترار الكوني، وبجعل أميركا أمة فخورة ثانية.اضافة اعلان
وفي الأيام الأخيرة، تقرر أن يخاطب السيد أوباما رفاقه الديمقراطيين في مؤتمرهم في تشارلوت، كارولينا الشمالية، على خلفية إنجاز القليل من هذه الأجندة المذكورة المفعمة بالأمل. (انعقد المؤتمر يوم الخميس). ففي هذه الآونة، هناك 3 ملايين آخرين من الأميركيين العاطلين عن العمل زيادة عما كان عليه العدد قبل أربعة أعوام، فيما أصبح الدين القومي أكبر بواقع 5 تريليونات دولار. وفي الأثناء، أصبحت القبضة الحزبية أسوأ من ذي قبل: فالإصلاح في مجال الرعاية الصحية، والذي يعد إنجازاً مؤثراً بقوة، أصبح مصدراً رئيسياً للضغينة. وانقسم رجال الأعمال فيما بينهم حول ما إذا كان الرئيس يبغض الرأسمالية أو أنه غير مبال حيالها فقط. وتبخرت جهوده الخاصة بكبح الاحترار الكوني وذهبت أدراج الرياح. كما أن حال تأييد أميركا في العالم الإسلامي ليس بأحسن مما كان عليه في ظل جورج دبليو بوش. وتظل إيران في الأثناء خطيرة، فيما روسيا والصين ما تزالان موضوعين شائكين، على الرغم من إعادة ترتيب الأمور معهما. وأضف إلى ذلك أن سجن غوانتنامو ما يزال مفتوحاً.
حتى الآن، ما يزال الوضع مخيباً جداً.
يمكن اختزال الدفاع عن سجل السيد أوباما إلى عبارة واحدة وحسب: كان يمكن أن تكون الأمور كلها أسوأ مما هي الآن بكثير. فقد ورث اقتصاداً في حالة سقوط حر، بفضل الانهيار المصرفي والإسراف المالي الذي مورس في ظل سلفه؛ وساعدت الإجراءات التحفيزية التي اتخذها بالإضافة إلى إنقاذه صانعي السيارات في ديترويت في تجنب الوقوع في مرحلة ركود ثان؛ وفوق كل شيء، فإنه يستحق درجات لائقة، ولو أنها تكتنفها الرقع، على أداء الاقتصاد. وفي مواجهة جمهوريين رافضين في الكونغرس، أحسن أوباما صنعاً عندما استطاع تمرير أي شيء مهما يكن. وفي الخارج، لجأ إلى إعادة صياغة السياسة الخارجية الأميركية بشكل معقول. وكانت هناك بعض الانتصارات الفردية، مثل قتل أسامة بن لادن.
لكن هذا لا يرقى إلى حالة مقنعة جداً لإعادة انتخابه، سواء من وجهة نظر هذه الصحيفة، أو من وجهة نظر الشعب الأميركي. ويعتقد أكثر من 60 % من الناخبين بأن بلدهم يسير على المسار الخطأ. وتقع نسب التأييد للسيد أوباما تحت سقف 50 %، وتقريباً، يبدو ثلثا الناخبين غير متأثرين (مهما كان ذلك قاسياً) بالطريقة التي تعامل فيها مع الاقتصاد. وبعد أن أنهكته صعوبات منصبه الرئاسي، نرى المصلح العظيم وقد تحول إلى رجل حذر، تحيط به مجموعة منعزلة من المستشارين. وقد تحول المرشح الذي وعد بحلول جسورة لأفدح مشكلات البلد، إلى الرئيس الذي فشل حتى في دعم خطط لجنته الخاصة لخفض العجز.
ولو كان يواجه مرشحاً ينطوي على شخصية أكثر كاريزمية من ميت رومني، أو مجموعة أقل تطرفاً من الجمهوريين، لكان السيد أوباما قد شرع بالانهزام سلفاً. وتكشف حقيقة اضطرار الرئيس إلى أن "يصبح سلبياً" في وقت مبكر وبلا توقف، عن مدى حاجته الماسة لأن تكون إعادة انتخابه متعلقة بنقاط ضعف السيد رومني وليس بفضل إنجازاته الخاصة. وهكذا، سيصل إلى تشارلوت رجل كان قبل أربعة أعوام قد جسد الأمل.
لكن يجب على السيد أوباما أن يقدم أكثر من ذلك، لثلاثة أسباب. أولاً، أن الحملة السلبية قد تفشل تماماً. فالجمهوريون مجموعة صعبة لها قائد من الخشب، لكن سجل السيد رومني كمسؤول تنفيذي وحاكم يبقى مؤثراً، وينطوي مرشحه لمنصب نائب الرئيس بول ريان، على أفكار جسورة. وسوف تصيب استراتيجية السيد أوباما القائمة على لوم نزعة الرفض لدى الجمهوريين العديد من الناخبين بالدهشة والصدمة، باعتبارها مهينة.
ثانياً، حتى لو آتت الحملة السلبية أكلها، فإن السيد أوباما المعاد انتخابه سيحتاج إلى القوة المستمدة من أجندة مقنعة. وبغير ذلك، فإن الجمهوريين الذين سيسيطرون على مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ، سيجعلون منه لحماً مفروماً. وثالثاً، إنه ليس السيد أوباما وحسب هو من يحتاج إلى خطة. إن أميركا أيضاً تحتاج إلى خطة. وتتطلب مؤسساتها المالية وحكومتها تجديداً صارماً. ومن المؤكد أن لدى هذا الرجل الكاريزمي وغني الفكر أفكاراً أخرى حول ما يجب عمله قياساً بما يفعله حتى الآن؟
وثمة خيار مغرٍ سيكمن في استقطاب قاعدته الحزبية بحديث عن المزيد من الإصلاح الصحي، وتهديدات بفرض ضرائب أعلى على رجال الأعمال والأثرياء. وبدلاً من إعادة تصميم الحكومة، فإن باستطاعته أن يمتص نقابات القطاع العام عبر التعهد بعدم خفض الوظائف. وبدلاً من خفض برامج الملكية، فإن باستطاعته طمأنة كبار السن بأن أميركا تستطيع فعلاً أن تتحمل مؤونتهم.
وسيكون من شأن هذه الطريقة أن تناسب الكثير جداً من نمط رئاسته وحملته حتى الآن؛ لكنها قد تتمخض عن ضرر يلحق بأميركا، كما أنها لن تساعد السيد أوباما أيضاً. وكان انتصاره في العام 2008 قد اعتمد على الوصول إلى ما وراء المجموعات التي تصوت تقليدياً لصالح الديمقراطيين، وجلب ناخبين شباب وبيض أثرياء. والعديد منهم وسطيون ينطوون على شكوك في السيد رومني. ولكن، ونظراً إلى أن عليهم المصادقة على قانون إسراف الحكومة، فإنهم لن يصوتوا لصالح رئيس يعد بالأكثر من هذا الإسراف.
الوصول إلى الوسط الراديكالي
 إن التقدم باتجاه الحصول على قبول الوسط أمراً ليس سهلاً بالنسبة للسيد أوباما. فحلفاؤه في اليسار يتمتعون بالقوة في بلد كثير الاستقطاب، ومن الممكن أن تكون منطقة الوسط مكاناً محفوفاً بالمخاطر. لكن هناك الأشياء الكثيرة التي يستطيع العديدون في جانبي الممر السياسي الموافقة عليها، بما في ذلك موضوعات الضريبة وإصلاح الهجرة والاستثمار في المدارس وتقديم المساعدة للأعمال التي تخلق الوظائف. أما الأمر الحاسم، فهو أن السيد أوباما يستطيع شرح كيف أنه ينوي خفض الدين الذي ما يزال محلقاً، من دون التظاهر بأن فرض الضرائب على الأثرياء وحسب سيساعد بطريقة يعتد بها.
 ينطوي السيد أوباما على اعتقاد قوي في العدالة الاجتماعية. وقد قاد اعتقاده هذا برنامجه الخاص بالرعاية الصحية. لكنه يحتاج إلى التمييز بين رغبة تحظى بالصدقية لمساعدة الضعيف، عن التفضيل الخطير للقطاع العام على حساب القطاع الخاص. إن الوظائف التي يحتاجها الأميركيون الفقراء ستخلقها الشركات. ولا يعد خنق الشركات بالروتين الحكومي هو الطريقة المناسبة لمساعدتها. ويجب على السيد أوباما أن يتعهد بالتوقف عن الإضافة إلى هذا البعد، والمباشرة في خفض البعض منه. وقد لا يحب الحزب المخلص في تشارلوت الأفكار الوسطية كثيراً، لكنها قد تروق للناخبين الذين يحتاجهم السيد أوباما لكي يتمكن من الفوز. وإذا أعيد انتخابه، فإنهم سوف يعطون موقفه قوة في تعاملاته مع الجمهوريين في الكونغرس.
عادة ما يميل شاغلو المناصب الرئاسية إلى الفوز في الانتخابات التالية. لكن رؤساء الفترة الرئاسية الثانية يميلون إلى أن يخيبوا الآمال أيضاً. ويشي سجل السيد أوباما في الفترة الرئاسية الأولى بذلك. وإذا ما أعيد انتخابه، فإن من الممكن أن يكون بطة عرجاء أكثر من السابق. ولذلك، يحتاج أوباما بشدة إلى تقديم جواب شاف للسؤال الكبير: ماذا ستفعل في أربعة أعوام أخرى؟

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: President Obama: Four more years?

[email protected]