الفساد كان اسمه ايديولوجيا

يديعوت - زئيف تسحور

 موضة برلمانات يوم الجمعة تنال الزخم، كل حي ومقهاه، كل مقهى وبرلمانه. البرلمانات تختلف في تركيبة اعضائها وبما يقدم على طاولاتها. وهي تشبه الواحدة الاخرى بالجلبة، في مقاطعة كل عضو لاقوال زميله وفي مواضيع البحث. ومثلما في البرلمان الوطني، كل واحد يعرف من سيقول ماذا. الموضوع الاساس هو الفساد في القيادة. الجميع يذكر بشوق الايام الطيبة تلك. والخلاصة تقر بالاجماع: ذات مرة كان هناك زعماء نزيهون، حرصوا على مصالح الشعب وليس على أنفسهم، النقيض التام لاولئك الذين نقرأ عنهم في الصحف اليوم.

اضافة اعلان

أخيرا يوجد اجمال. ولكنه نتيجة اسطورة لف الماضي بغلاف سميك من الحنين. سياسيونا لم يخترعوا أي شيء جديد. أيام طريقة الرضاعة من الصحن المشترك للمال والسلطة كأيام سيطرة السياسيين على المال العام. أي من النشطاء المركزيين لحركة العمال عندنا، تلك التي يسمونها اليوم حركة العمل، لم يتوف وهو بروليتاري فقير وابناؤه يطلبون الخبز. زعماء الماضي، من اليمين ومن اليسار، اجتهدوا كي يبنوا لانفسهم صورة العيش المتواضع، ولكن الكثيرين منهم، ليسوا جميعا بالطبع، خلفوا لابنائهم واحفادهم ارثا جمع من قربه من نبع المال.

في السنوات التي سبقت اقامة الدولة كانوا يسمون عملية لصق المال العام بالسياسيين بـ "المقدمات"، او بلغة المحاسبة في حينه "السلف" وبلغة الرموز الخفية للجهاز "سلف لا حاجة الى اعادتها". سبيل آخر كان العمولة التي نقلها الجهاز الى القيادة من ميزانية الشركات الاقتصادية التي اقيمت باتصال مع الحركة. كل حركة ومشاريعها الاقتصادية، وعمولة الزعيم تتحدد حسب مكانته. هنا ايضا، ليس الجميع تلقى عمولة. ربما ليس معظمهم. كثيرون.

عند قيام الدولة تدفقت املاك السلطة الى ايادٍ خاصة من خلال توزيع الاملاك المهجورة. البيوت البائسة في الرملة وفي عكا اعطيت للمهاجرين. اما فلل طبقة النبلاء الفلسطينيين في القدس وفي حيفا فحظيت بها طبقة النبلاء الاسرائيليين الجديدة التي ولدت لتوها. في هذه الحالة توزيع الاملاك السخي راعى ايضا المعارضة.

جذور سلالة عائلات المال تنغرس في الايام الطيبة لبداية الدولة. المال المؤسس لها لم يسقط من السماء. فقد مر من الصحن العام الى الجيب الخاص بطرق السلطة التي صممت في حينه، عندما شقت الى جانبها التفافات مظلمة.

بالفعل، يوجد فارق كبير بين تلك الايام وهذا الزمن. وهذا التغيير يسمونه ايديولوجيا. في النصف الأول من القرن الماضي سيطرت الايديولوجيا على كل شيء. الفاشية، الشيوعية، بل وحتى الليبرالية كانت افكارا شمولية. الغاية بررت الوسيلة. التدفق المظلم للمال العام الى يد المقربين تم تبريره كخطوة تكتيكية في استراتيجية الايديولوجيا. في حينه لم تكن هناك برلمانات مقاهي. تحدثوا في القيادة عن الفساد بهدوء، وفي الغرف المغلقة. وقالوا في الحركة، في كل حركة إنه عندما تقطع الاشجار تتناثر الشظايا.

في نهاية القرن العشرين كتب فوكوياما عن نهاية التاريخ وقصد موت الايديولوجيا. الايديولوجيا ماتت ولكن السياسيين أحياء، وبل وأحياء جدا. في غياب عنصر الايديولوجيا، ما كان ذات مرة الجانب المظلم من الطريق وسعه السياسيون حتى صار هو الطريق السليم.