تركيا الحديثة تنتقل إلى مصر

مصريون في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة يعتصمون نصرة للرئيس المعزول محمد مرسي -(ا ف ب)
مصريون في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة يعتصمون نصرة للرئيس المعزول محمد مرسي -(ا ف ب)

دان مرغليت -معاريف
بعد 75 سنة من وفاة أبو تركيا الحديثة أتاتورك واثقا من أنه ترك بلده مع دستور مستقر يضمن بواسطة الجيش تنورها وفصلها عن الاسلام – طُرح قادته وضباطه الكبار في السجون وفيهم رئيس هيئة الاركان إلكار باشبو. وذوى أمل التقدم عند مصطفى كمال. استطاع الجيش مدة عشرات السنين ان يُبعد الاقسام الظلامية من الاسلام عن مراكز القوة. كان النظام ديمقراطيا مشروطا ولم يكن تقديم جموع الاتراك في مقدمة اهتماماته في الحقيقة لكن فائدة الجيش كانت أكبر من عيوبه. كان شمعون بيريز هو الذي زعم قبل نحو من ثلاثين سنة انه انقلبت في تركيا المعادلة السائدة وان الجيش يهدد الديمقراطية، لكنه عند الاتراك حارس لها.اضافة اعلان
لم يغب هذا الامر عن مصر. توجد خطوط تشابه في تطور الدولتين. فالذي بدأ في تركيا بعد الحرب العالمية الاولى ولد في وادي النيل بعد الحرب الثانية، فقد سيطر الجيش عليه، وبرغم ان الدستور لم يحدد مكانته كما فعل أتاتورك، فانه أعطى النغمة حتى بقدر أكبر مما هو عليه في أنقرة. كان محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك رؤساء من قبل الجيش وقادته.
إن حكم رجب طيب اردوغان باسم الاسلام قطّع بصورة النقانق – قطعة بعد قطعة – مكانة الجيش المميزة وانتهى هذا المسار أمس. وفي مصر ايضا منذ اللحظة التي تولى فيها محمد مرسي الحكم لم يكف عن تقطيع الجيش، فقد استغل واقعة ثانوية في سيناء لابعاد ضباطه عن مواقع رئيسة وبدا الطريق إلى استيلاء الاسلام على مصر ممهدا.
كان للولايات المتحدة دور مميز في هذا النموذج الموازي. فقد لزمت تعاونا مع اردوغان وطورت تصورا داحضا جدا يرى انه تمكن ديمقراطية اسلامية كما أظهرت تركيا. ومن المنطق ان نفترض ان الزينة التي تغطي الأعين من أنقرة أثرت في السياسة الاميركية التي أدارت ظهرها لحليفها مبارك، ولم تحرك ساكنا حينما تم انتخاب مرسي. ان اميركا التي اخطأت بالايمان بديمقراطية اردوغان عادت واخطأت حينما قدّرت ان مرسي يشبه اردوغان في نظرها.
بيد ان الجيش المصري فهم الوضع بصورة أفضل من نظيره في تركيا ومن صاغة السياسة في واشنطن. أمس رأى كبار قادته ما أحدثه اردوغان بهيئة الضباط العليا في بلده – وهو نوع من التطهير الستاليني بلا اعدام – وعرفوا ان هذا كان سيكون مصيرهم المر لولا ان أعادوا الدبابات إلى ميدان التحرير وطردوا مرسي.
لكن التاريخ لا يكرر نفسه بصورة دقيقة. ان الضابط القوي في مصر الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لم ينتظر وقتا طويلا وهاجم الولايات المتحدة التي أدارت ظهرها له ولرفاقه. وبرغم تعلقه بالمساعدة الاميركية، تحدث بدم قلبه قائلا انه لن يغفر لاميركا تنكرها. واذا كان يدرك ايضا انه لا يجوز إبداء الضعف ومهادنة متطرفي الاسلام – كما تم هذا الخطأ في إيران وتركيا – فهناك احتمال لعدم سقوط مصر في أيدي الظلاميين. لكن من سيُطعم 80 مليون فم؟