جدل مهم حول الهوية والدولة

منذ فترة ليست بالقصيرة، يتصاعد جدل مهم جدا بين فريقين، كل منهما يدعي احتكار الحقيقة الأردنية، ويدافع بشراسة عن طروحاته في مجال رؤية واقع الدولة الأردنية المستقبلية وما الذي يتوجب أن تكون عليه.اضافة اعلان
الفريق الأول ينطلق في رؤيته من ضرورة حتمية لبناء الهوية الجامعة التي تستند إلى الثوابت الجغرافية والديمغرافية، وتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار المحيطة، خصوصا خلال الفترة الحالية التي تقبل فيها المنطقة على أحداث قد تغير شكلها الذي عرفناه لعقود طويلة. وهو يقدم نقدا جوهريا للمحافظين ولليبراليين على حد سواء.
الفريق الثاني، ينطلق من فكرة أنه لم يكن للأردنيين هوية جامعة في أي يوم من الأيام، وأن الهجرات المتتالية بنت "خليطا هوياتيا" يمكن أن يتبلور إلى بناء نظام جامع يتعايش فيه الجميع، بعد أن يستوعب جميع أشكال الهجرات السابقة، بما فيها الهجرة السورية الحديثة التي بتنا نسمع أصواتا تدعو إلى "استيعابها".
هذا الفريق، أيضا، لديه شكوكه الكبيرة في قدرة الأردن على مواجهة المخططات الحديثة للمنطقة، بما فيها تداعيات الصراع العربي الصهيوني، و"حصاة صفقة القرن" التي أثارت سطح المياه الراكدة، وهم يدعون بوضوح إلى أن يكون الأردن جزءا من هذه "الصفقة"، ويعترفون بأنها ستكون مربحة له، خصوصا أن لها منافع اقتصادية كبيرة، قد تشكل خلاصا من الوضع الاقتصادي المتأزم للبلد.
رغم ذلك، فهم لا يقولون صراحة أن الجزء الآخر من الصفقة يتطلب موافقة أردنية على شطب أمور لطالما بقيت ثوابت في السياسة الأردنية وفي الوجدان المجتمعي، تتعلق بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس المحتلة، واللاجئين، ورفض التوطين.
بالعودة إلى الفريق الأول، والذي أميل أنا إلى ثوابته الوطنية، يشرح لنا أن الهوية الجامعة يتوجب أن تكون تحت لافتة ثوابت الدولة الأردنية التي ترسخت عبر زهاء قرن من الزمن، ورغم ذلك فهو لا يقدم شرحا وافيا حول كيفية قدرة الأردن والفلسطينيين غير المتأثرين بواشنطن ودوائر عملها، على إفشال صفقة القرن، خصوصا في ظل ما يشبه الحصار الاقتصادي الخانق على الأردن، ومباركة العواصم العربية الأكثر تأثيرا للصفقة، أو على أقل تقدير عدم فعل شيء للتأثير في سياقاتها!!
قد يبدو أصحاب هذا الرأي أقرب إلى الغرامشية أو البراكسيس، التي تقول إن المبدأ الموحد من وجهة النظر السياسية هو الدولة، في إزاء مبدأ موحد اقتصاديا هو القيمة، ما ينتج فلسفيا "العلاقة بين إرادة الإنسان وبين الأوضاع والمواقف التي ينبغي له تجاوزها".
ولكن، ما الذي يمثله الفريق الآخر؟
لنعترف بأن هناك نخبا محسوبة على واشنطن وتل أبيب، وهي تنفذ أجندات خارجة عن سياق الأجندة الوطنية، والمصلحة العليا للأردن. فحين تكون لاءات الملك لا للتوطين ولا للوطن البديل ولا لإنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، ومع ذلك نجد من يسوق أفكارا مضادة لهذه اللاءات، فينبغي أن نسأل أنفسنا من أي أجندة يقرأ هؤلاء؟!
مشكلتنا ببعض النخب التي تريد أن تأخذ البلد إلى مناطق جديدة، فهناك من يريد أن يعمل بهمة عالية لإنجاح صفقة القرن، والذهاب بها إلى أقصى مدى تريده واشنطن وتل أبيب. وفي عرف تلك النخب فإن الدفاع عن الهوية الوطنية الجامعة بمثابة "انسداد أفق"، أو "تعبير إقليمي ضيق"!!