سخرية أم غضب كامن؟

هذه المرة اختلف شكل الاحتجاج الشعبي على قرار الحكومة بمضاعفة الضريبة على الخلوي؛ إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تدفقا غير عادي لانتقادات بسخريةٍ لاذعةٍ حيال القرار.اضافة اعلان
غالبية التعليقات ركزت على مقترحات لفرض ضرائب على موارد لم تخطر ببال الحكومة، مثل فرضها على التمر الهندي، فيما تأتي صور أخرى تتوعد الأردنيين "بشحدة الملح" وغيرها الكثير من النكات الساخرة.
ردود الفعل الشعبية على القرار، عجيبة، ففي وقت مضى كان الناس يكيلون الاتهامات والنقد اللاذع، وتجدهم اليوم يسخرون ويعلقون على ما يجري بدم بارد، وربما يغلي لا أحد يدري!
السؤال المهم؛ هل السخرية دلالة استرخاء وراحة بال أم احتقان وغضب لم يعد النقد ينفع معه حلا، بعد أن علّمت التجربة المواطن أنّ انتقاد القرارات الحكومية لا يجلب نفعا ولا يؤثر في متخذ القرار؟.
أغلب الظن أن القرارات الحكومية تستفز المجتمع، وخصوصا الاقتصادية، وبالتحديد تلك المتعلقة بفرض ضرائب جديدة، دون أن تراعي الحكومة أن العبء الضريبي فاق قدرة المواطن على التحمل، وبعد أن غلب مستوى الضرائب قدرة مداخيل الأسر.
تقدير الدراسات لمعدل العبء الضريبي يتفاوت؛ إذ تقدر دراسة حكومية قيمة العبء بمبلغ 134 دينارا للفرد سنويا بنسبة 30.9 % خلال الفترة 1990 - 1998، فيما تراجع العبء كنسبة في الفترة 2004 - 2011 ليبلغ 26.4 % للفرد، وارتفع كقيمة تصل إلى 492 دينارا للفرد سنويا.
انخفاض العبء ليس نتيجة انخفاض قيمة الضريبة على الفرد كقيمة مطلقة، بل يعود على الأرجح لأسباب تتعلق بزيادة التهرب الضريبي.
ثمة دراسات أخرى أجرتها جهات مانحة تشير إلى أن العبء أعلى من المقدر رسميا؛ إذ بلغ 34 % للفرد، وأن 80 % من الأردنيين لا يسددون الضريبة، فيما يتحمل معظم العبء 20 % من الأردنيين.
من يسدد الضرائب مسألة تحتاج لنقاش، خصوصا أن معظم إيرادات الخزينة من الضريبة تتأتى من ضريبة المبيعات، او كما يحلو للخبراء تسميتها بـ"الضريبة العمياء"، وهذه بالمناسبة يسددها الفقير ومتوسط الدخل قبل الثري، كل بحسب طبيعة استهلاكه ونمط معيشته.
المعايير الدولية المعتمدة حول هذا المؤشر للدول النامية، تقدر بمعدل 20 % للفرد، ما يعني أن العبء الضريبي على الأردني، ما يزال أعلى بكثير من النسب المنطقية.
اليوم، الحكومة تتحدث عن مشروع قانون جديد للضريبة، لم تكشف تفاصيله بعد، وما يرد من معلومات يكشف أن الحكومة نسّبت بتخفيض حد الإعفاء الضريبي للأفراد من 24 ألف دينار سنويا، ليبلغ 20 ألفا سنويا، بحيث تخضع ثالث عشرة الآلاف من دخل الفرد لضريبة نسبتها 10 %، وصولا إلى 25 % كحد أعلى.
بالضرورة، تخفيض الإعفاء سيضر بالطبقة الوسطى، ويزيد العبء على الأسر، عدا عن الأعباء الأخرى التي تفرضها الضرائب المباشرة المتمثلة بضريبة المبيعات، مضافا إليها الرسوم والضرائب الخاصة وغيرها الكثير.
قطاعيا، أعفى مشروع القانون الجديد أول 100 ألف من دخل الشركات الصغيرة والمتوسطة، فيما أخضع قطاعات اقتصادية مثل البنوك والصرافة والاتصالات إلى نسب ضريبة تصل إلى 35 % من صافي الربح.
حتى اللحظة يبدو أن المخطِط الاقتصادي لا يدرك تماما معنى الإصلاح المالي المطلوب، وما تزال عقلية الجباية مسيطرة على المسؤولين، فالهم الأول ليس التخلص من التشوهات بشكل لا يزيد العبء على المواطن، بل تحصيل مزيد من الإيرادات.
في دولة مثل الأردن تعتمد خزينتها على الضرائب كمصدر للإيراد، يلزم أن تحسب القرارات بحساسية شديدة وتقدير ردود الأفعال الشعبية، والعبء الضريبي المفروض حاليا يلزم تخفيضه، ليكون ضمن المعايير العالمية.
على المخطط أن يدرك خطورة الإسراف في فرض الضرائب، فاليوم رد الفعل ساخر، ولا أحد يعلم كيف سيكون غدا؟! لكم أن تتخيلوا..