كيف تتحول المطالب الاجتماعية إلى مشكلة طائفية؟

في خلفيات المواجهة الدائرة في اليمن بين الحكومة والحوثيين، يختلط السياسي بالمذهبي والطائفي بالقبليّ، لينتج أزمة، من غير المرجح، أن تفلح الحلول العسكرية أو الأمنية وحدها في حلّها. فالانكشاف الأمني الذي تجلى في الفترة الأخيرة إثر توسّع الحوثيين وتمدد سيطرتهم على مناطق على مشارف العاصمة اليمنية، واستيلائهم على معدات ثقيلة وإمدادات لوجستية مهمة تابعة للجيش اليمني ومهاجمتهم مقرات حكومية وتضاعف أعداد المقاتلين الحوثيين أربع مرات على الأقل منذ بدء تمردهم ضد السلطات اليمنية في عام 2004، حيث كان عددهم من 1000 إلى 2000 مقاتل، فيما هم اليوم على الأقل 8000 ، كل ذلك معطوفا عليه التحدي الأمني الآخر الذي يمثله تنظيم "القاعدة"، والمأزق السياسي في الجنوب، حيث دعاوى الانفصال، يضع الأمن والاستقرار في اليمن تحت دائرة الضوء وتحدي الأسئلة المتكاثرة حول قدرة الدولة على إدارة هذه التحديات والتهديدات النوعية.

اضافة اعلان

هذه التحديات، ذات جذور سياسية واجتماعية وفكرية، ثمّ تكبر كعادة هذه الظاهرات لتستحيل معضلة أمنية، والأخطر أن يكون العنصر الديني وقودا فيها. أي بعبارة أخرى، الفراغ السياسي، الناجم عن اختلال العلاقة بين الدولة (التي تماهت مع السلطة) والمجتمع، وفشل الحكومة في إدارة شؤون المجتمع واستشراء الفساد والفقر والبطالة وضعف الخدمات، إنما يؤشر إلى أن ثمة دولة مهددة بأن تكون "دولة فاشلة"، إن لم تكن قد اندغمت في هذا المفهوم.

 

والمؤكد أنّ احتمالات فقدان الاستقرارين الأمني والسياسي في اليمن، لن تقتصر مفاعيله الكارثية على اليمن وحده؛ ذلك أن الجغرافيا السياسية التي تحكم هذا البلد إنما تطرح أسئلة وتحديات تطال أمن منطقة الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب، والقرن الأفريقي...، ما يعني "ورطة" إقليمية، ستجعل البلد نهبا للتدخلات الإقليمية والخارجية.

المسألة الطائفية في المنطقة العربية تغدو اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وتفاقمها في السنوات الأخيرة في غير بلد عربيّ إنما يستدعي إعادة الاعتبار لمقاربتها تحت لافتة: المواطنة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة والمساواة أمام القانون؛ ذلك أن الحلول الأمنية وغياب "الحوكمة" يفضيان إلى استحالة المطالب الاجتماعية والسياسية (تحت وطأة الفقر والبطالة والتمييز وتهميش الحريات والمشاركة السياسية...) إلى أزمات طائفية وعرقية، تحوز كل المقومات التي تجعلها نهباً للتجييش الطائفي والشحن المذهبي والتوتر العرقي، وهي أرضية خصبة للتدخلات الخارجية والتوظيف الإقليمي ولأصحاب الأجندات التدخلية. يصحّ هذا في العراق وفي البحرين وفي الكويت وفي لبنان... والآن في اليمن. ومن دون تأسيس عقد اجتماعي بين المجتمع والدولة يقوم على رابطة المواطنة وإشاعة الحريات والمشاركة العادلة في صناعة القرار، ستبقى أيّ حلول مقدَّمة ـ مهما استطاعت أنْ تسكّن المرض وتداري الوجع ـ حلولاً تحايلية، تُعنى بالفرع بدلا من الأصل، وكأنما رمي الأوساخ تحت السجّادة سينتج بيئة نظيفة بعيدة عن العفونة والأمراض!!.

والصحيح أنّ أيّ حكومة لا تقبل أنْ يرفع مواطنوها السلاح في وجهها، ويهددوا أمنها ويضعفوا الثقة في قواتها العسكرية والأمنية ويهددوا الأمن في دول الجوار والمحيط الإقليمي، كما يفعل الحوثيون، ولا ترجو هذه المقالة التخفيف من هذا الخطر الماثل، وإنما تذهب إلى القول إن تجربة حركة "طالبان" غنية بالدروس التي يقع في مقدمها أن الحلّ العسكريّ لا يكفي، ولا يتوافر على النجاعة المرجوّة. ولايجوز، في الحالة اليمنية اختزال 15% من السكان، وهم الطائفة الزيدية الكريمة، وتصويرهم تعسفاً وكأنهم "حوثيون" أو متمردون.

آن للسلطات العربية الحاكمة أنْ تدرك أن الفساد والمحسوبية وسياسات التنفيع والتوزيع الجائر للثروة والاستبداد وتهميش الحريات ينتج تهديدات أمنية وسياسية تؤذن بالفوضى والانقسامات وغياب الاستقرار، وأول خيوط الحل والنهوض هو تعزيز المواطنة ومحاربة الفساد واحترام كرامة الناس.

[email protected]