ماذا نريد من الأردن الجديد؟

سيف حسين الرواشدة

‏بلادنا لا تحتاج إلى الإصلاح بقدر ما تحتاج إلى التحول عن نموذج الدولة الأبوية إلى دولة المؤسسات الرشيدة حتى تتقاطع مع آمال الشارع وتطلعاته، وهذا لا يفرزه تغيير رئيس الوزراء أو حتى تغيير كل النخب الأردنية، لكن يحتاج إلى تغيير الآليات، وعنوان هذا التغيير هو صياغة عقد اجتماعي جديد بين الأردنيين ودولتهم.اضافة اعلان
فإذا استعرنا دراسة قدمها الدكتور الرزاز في 2012 حول حاجة الدول العربية لعقدٍ اجتماعي جديد بينها وبين مواطنيها، معلنةً به انتهاء عهد الريع باختلاف درجاته بينها، وبداية عهد الإنتاج المستدام والدولة القوية. سنقف عند تعريف دولة الرّيع التي قدمها على أنها "التّزاوج الخطير جدا بين سلطةٍ غير ديمقراطية ومصادر دخل لا تحاسب عليها ولا تسأل عنها" وسنقف أيضا عند أول نقطتين من أصل سبع نقاط أقرها الرجل حتى يستقيم العقد الجديد وهما: التحول الديمقراطي والحاكمية الشعبية على الثروة والوطنية والمال العام.
ثم إذا نظرنا إلى من نزل إلى الرابع ومختلف مناطق المملكة من أهلنا، سنجدهم أيضا غير مقتنعين بنموذج الدولة الأبوية ومنحها الاستثناءات والحصص والمنافع والهبات للناس حسب تصنيفات نعرفها جميعا، بقدر ما هم مؤمنون بحقوق المواطنين والمواطنة وأن الحكومات تستمد سلطتها من الشعب وأن العدالة والشفافية هما السياج الذي سيحمي وطننا وأن إشراك المواطنين في صناعة القرار هو صمّام الأمان لأي حكومة وعنوان لشرعيتها، وأنهم يتحملون اليوم وزر قرارات اقتصادية لم يُشاوروا فيها ولا نالهم منها أيّ منفعة، قد لا يكون ما سبق هو ما صدحت به الحناجر على الرابع لكن هو ما ‏يقبع تحت قمّة جبل الجليد وغيره من الهموم التي نقاسيها.
‏نحن نعاني من نسبة بطالةٍ قياسية وانهيار للطبقة الوسطى، وحياة سياسية جامدة واقتصادنا فاقد للبوصلة وابتلينا بنخبةٍ مترفعة على أهلها وفقر في القيادات الوطنية المرتبطة بقواعد شعبية ‏ناهيك عن الفساد والمحسوبية والوضع الإقليمي المعقّد والمستقبل المبهم.
وأخطرها ما كنا نعاني منه، هو فقدان الأمل الفسيح الذي أعاده لنا شبابنا رجالاً ونساء في الرابع وكل مناطق المملكة وبقدر ما يبعث فينا هذا العمل اليوم من التّفاؤل بقدر ما سيكون خطيرا إذا خيِّب وعاد أهلنا مضطرين إلى المربع الأول معتصمين أو مضربين.
‏السؤال الأهم اليوم أمام الحكومة؛ ماذا يريد الأردنيون؟
‏أظن أن الإجابة تكمن في حكومة تمتلك الولاية العامة حقا حتى تتحمل نتائج أفعالها، ومن ثم القدرة الكاملة على محاسبتها، بعيدا عن مجلس النواب وهزله، فمشاركة الشعب في الحكم اليوم لم تعد رفاهية وإعادة خلق القيادات الوطنية القادرة على التواصل مع الناس وتنظيم حركتهم وحيازة ثقتهم، بل أصبحت ضرورة لا مناص منها.
وهذا قد يكون ترجمة الأردنيين لما أسلفنا ذكره من دراسة الدكتور الرزاز "التحول الديمقراطي والحاكمية الشعبية على الثروة والمال العام".
أما في الملف الاقتصادي، فالإجابة تكون في إعادة هيكلة الاقتصاد بعيدا عن حلول الضرائب السهلة التي لم تفلح في زيادة الإيراد وما حصل في المنطقة الحرة بداية العام ليس ببعيد، والعمل على تشكيل بنية تحتية لاقتصاد منتج وصياغة موازنات لا تكون حصة الأسد فيها للنفقات الجارية من سداد الديون ودفع رواتب الموظفين.
أعتقد أن أول خطوة اقتصادية للحكومة يجب أن تكون مصارحة المواطن ومشاركته بكل شفافية في هياكل الضرائب والرسوم وتسعيرة الوقود وغيرها، حتى تعود الثقة بينه وبين حلول الحكومة الاقتصادية، ويعلم أن كل قرش دفعه يذهب في مصلحة الأردن وأهله، لنتمكن جميعا من عبور هذه الأزمة التي لا نختلف حول حصولها.
‏الحكومة اليوم أمام منعطفٍ تاريخي في حياة الأردن دولة وشعباً، وكما اجتمع الأردنيون ورئيس وزرائهم على الاصطلاح أن الأخير أمام ورقة امتحان شعبية أتمنى من قلبي أن ينجح فيها ويكون عنوان نجاحه عقدا جديدا يكون فيه المواطن صاحب الشرعية الممنوحة للحكومة تحت عنوان دولة المواطنة والمؤسسات الراشدة والعدالة والاقتصاد الإنتاجي المستدام الخاضع للحاكمية الشعبية حتى تعود الثقة بين الأردنيين وحكومتهم.
وإذا كنا سنهمس بآخر معلومة في أذن الحكومة قبل بدء الامتحان ستكون: أن الأردنيين اليوم يريدون حقوقهم التي لا تستدعي الشكر عند الحصول عليها، وأن العلامة الكاملة هي في شرعية يعطيك إياها الشارع.. والشارع فقط.