مخاطر الاستفتاء

ljczbv12
ljczbv12
نجيري وودز* أكسفورد- أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بعد تعرضها لهزيمة موجعة، عن تأجيل جلسة تصويت البرلمان على الاتفاقية التي توصلت إليها مع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي بشأن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد، ونتيجة لذلك، كسبت قضية "تصويت الشعب" -إجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- دعماً قوياً. ولكن، هل الاستفتاء هو بالفعل الآلية الصحيحة لتسوية القضايا السياسية التي لا يمكن لممثلي الشعب المنتخبين علاجها؟ تمنح الاستفتاءات الشعب الحق في التعبير عن آرائه. وهذه هي المشكلة في عصر يشعر فيه الناس بالاستياء وعدم الرضا عن المؤسسة السياسية. لكن الاستفتاء، من دون قوانين، لا يعدو كونه دعوة إلى ثورة من الغضب الجماعي. ويجب تمييز هذا الواقع عن قرار السياسة الوطنية الذي يتضمن تحقيق التوازن بين مصالح الجميع. وليست هذه -ولا يمكن أن تكون- مهمة كل مواطن. في بعض القضايا، قد يكون ما يُعد جيداً لشخص سيئاً للغاية بالنسبة لآخرين، وما هو سيئ للآخرين قد يكون الأسوأ بالنسبة للفرد. ولا يملك معظم الناس الوقت أو المعرفة ولا يبدون الاهتمام أو الرغبة في اكتساب فهم قوي لمثل هذه الاعتبارات لقضية تلو الأخرى. لكن هذا هو بالضبط ما يلزم لاتخاذ القرارات نيابة عن مجتمع بأكمله. كان هذا هو السبب في ظهور الديمقراطية التمثيلية؛ حيث يعهد الناخبون إلى السياسيين ليكونوا على اطلاع -ويستفيدون بشكل كامل من الموظفين الحكوميين، والمعلومات، والتحليل- ويطرحون بدائل ذات منظور طويل المدى. يقوم السياسيون برفع نتائجهم إلى برلمان مُصَمم لتمثيل المصالح المختلفة من خلال الأحزاب السياسية المتنافسة والدوائر الانتخابية والممثلين. وهم يخضعون للمساءلة عن خياراتهم من قبل الناخبين والمسؤولين المنتخبين الآخرين ووسائل الإعلام المستقلة، في شكل فحص برلماني. يكمن الخطر في قدرة السياسيين على إجراء استفتاء لتجنب المسؤولية عن القرارات الصعبة. وحتى قبل توليه السلطة، قام رئيس المكسيك الجديد، أندريه مانويل لوبيز أوبرادور، بإجراء الاستفتاءات "غير الرسمية" حول قضايا مثل إلغاء مشروع إنشاء مطار جديد بمدينة مكسيكو بتكلفة 13.3 مليار دولار أميركي (والذي تم بالفعل الانتهاء من ثلثه بتكلفة 5 مليارات دولار) ودعم برامجه الاجتماعية وبرامج البنية التحتية الأساسية. وإذن، كيف يمكن للدول ضمان أن يتم التصويت المباشر على السياسة العامة من دون تقويض جودة صنع القرار في ديمقراطية تمثيلية؟ بطبيعة الحال، تستطيع الحكومات ببساطة عدم إجراء أي استفتاء. وهذا هو الحال في بلجيكا وماليزيا وإندونيسيا (حيث أجري الاستفتاء خلال تكثيف الحكم الاستبدادي في الفترة 1985-1999). ولكن إذا كانت البلدان ما تزال تفضل خيار الاستفتاء، فعليها أن تفرض قوانين رسمية وتضمن عدم استخدام السياسيين لها لتفادي القرارات الصعبة. أولاً، يجب على الدول تحديد سبب استخدام الاستفتاءات (على سبيل المثال، فقط فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية)، ووضع حد أدنى للمشاركة، وطلب أغلبية ساحقة من الأصوات. في أستراليا، على سبيل المثال، يمكن إجراء الاستفتاءات في ظل ظروف معينة وبدعم الأغلبية فقط في معظم الولايات (بالإضافة إلى الأغلبية المطلقة). ويجب تطبيق هذه الحدود في المملكة المتحدة؛ حيث تتطلب الاستفتاءات ليس فقط أغلبية مطلقة، بل أيضاً أغلبية منفصلة داخل إنجلترا وويلز وإسكتلندا وأيرلندا الشمالية. من جهة أخرى، يمكن تجنب مخاطر الاستفتاءات من خلال جعلها غير ملزمة. وتسمح فنلندا والنرويج بإجراء الاستفتاءات فقط على هذا الأساس، في حين أن لدى السياسيين الأستراليين خيار إجراء الاستفتاءات العامة غير الملزمة. وتشكل هذه ميزة أساسية أخرى لاستفتاء فعال: ضمان سيطرة السياسيين على استجابة السياسة. وفي سويسرا، على سبيل المثال، يمكن إجراء الاستفتاء للتعبير عن رغبة الشعب، وإنما يجب على السياسيين تحمل مسؤولية صناعة السياسة التي تخدم المصلحة الوطنية على أكمل وجه. وبالمثل، في استفتاء شباط (فبراير) 2014، صوت أغلبية الناخبين السويسريين والأقاليم لصالح الحد من الهجرة من خلال نظام الحصص. لكن مجرد تقديم مثل هذه الحصص كان ينتهك شروط مشاركة سويسرا في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. وفي العام 2016، اعتمدت الحكومة قانوناً يسمح لأرباب العمل بإعطاء الأولوية للباحثين عن العمل السويسريين (من دون تقييد حرية انتقال العمال الأوروبيين إلى سويسرا). عند إجراء الاستفتاءات، يجب على السياسيين أيضاً تحمل المسؤولية عن قرارات الشعب. ويجب عليهم ضمان حل القضية المطروحة بدقة وتقديم معلومات مدروسة وصحيحة. وفي سويسرا، يخلق تقليد طويل الأمد من المداولات والمشاورات المحلية الطويلة شكلاً بطيئاً من عملية صنع القرارات. ويؤدي إجراء استفتاء من دون تداول إلى رد فعل فوري. وفي أثينا القديمة، مدينة الديمقراطية، صوت المواطنون في اليوم الأول من النقاش على إعدام جميع الذكور في ميتيليني كعقاب لهم على ثورتهم ضد السيطرة الإمبراطورية الأثينية. وبحلول اليوم التالي، غير المواطنون رأيهم، وصوتوا لصالح التسامح. في المملكة المتحدة، أصبحت عبارات مثل "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" و"عدم وجود اتفاق" و"البقاء" متداولة بشكل كبير، مع قيام المؤيدين بدعم وجهة نظر الناخبين. وتتمثل إحدى الطرق لمواجهة هذه المواقف الانتخابية -المدعومة باستطلاعات سابقة- في توجيه الناخبين أولاً، للنظر في ما يعرفونه بالفعل حول الموضوع، وما يفهمونه من العبارات الأساسية. ويجب أن يحذر السياسيون الذين يجادلون بالاختيار بين ثلاثة خيارات من "تأثير التسوية"، حيث يميل الناس إلى اختيار الخيار الأوسط، بدلاً من النظر في كل الخيارات بعناية. لم تنظم المملكة المتحدة سوى ثلاثة استفتاءات على مستوى البلاد في تاريخها: الاستفتاء الأول حول عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية في العام 1975؛ والثاني حول نظام التصويت البديل في العام 2011، والاستفتاء الأخير بشأن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016. ولكنها تستعد الآن لإجراء استفتاء آخر أكثر أهمية. مع تواتر الاستفتاءات، يتعين على الدول تحديد قواعد لضمان عدم قيام السياسيين بإساءة استخدامها. وهذا يعني جعل الاستفتاءات غير ملزمة، على الأقل في معظم القضايا. كما يعني توفير الوقت والمعلومات والفرصة لإجراء مداولات حقيقية بين الناخبين. وينبغي أن يخضع السياسيون (أو مستشاروهم) للمساءلة. فقد تم انتخابهم لاعتماد السياسات التي من شأنها تعزيز المصلحة الوطنية. ويجب محاسبتهم على ذلك. *هي عميد مؤسس لكلية بلافاتنيك للحكم في جامعة أكسفورد. *خاص بـ ‘‘الغد‘‘، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".اضافة اعلان