مقابلة الملك

تابع الأردنيون باهتمام مقابلة الملك عبدالله الثاني مع التلفزيون الأردني، والتي أجراها الزميل رمضان الرواشدة. المقابلة بمجملها كانت مكرسة للشأن الوطني الأردني رغم التطورات الإقليمية من حولنا، وهو ما يعكس أولوية الهم الداخلي على غيره من الهموم.اضافة اعلان
تحدث الملك بإيجابية ومسؤولية عالية عن الحراك الشعبي، وأبدى تفهمه واحترامه الكبيرين لمطالب الحراك. وظهر من إجابته عن السؤال أنه يدرك، وبشكل عميق، الأسباب التي دفعت بالأردنيين إلى النزول للشارع، وحددها على النحو التالي: غياب الثقة بقدرة المؤسسات الرسمية على رعاية مصالح الناس وتلبية احتياجاتهم، بالإضافة إلى معاناة المواطنين من الغلاء والفقر والبطالة، والخلل في توزيع مكتسبات التنمية.
لكن الأهم من تحليل أسباب الحراكات، وهي بالمناسبة تتفق إلى حد كبير مع توصيف المعارضة ووسائل الإعلام، هو قناعة الملك بأن المدخل الرئيس لمعالجة هذه المشاكل يأتي من خلال الإصلاح السياسي، أو توسيع قاعدة المشاركة السياسية في صناعة القرار كما قال جلالته.
لم يتوقف الملك في معرض حديثه عن الحراك عند الإساءات والشعارات التي تتجاوز سقف الدستور، ولم يلجأ إلى لغة التهديد والوعيد التي يستخدمها بعض المسؤولين، لا بل أكد في موقع آخر من المقابلة على "أننا نقف على مسافة واحدة من الجميع؛ فنحن للجميع". وقلل من شأن التجاوزات بالقول إنها "محدودة والحمد لله".
وعند سؤاله عن موقف الأحزاب التي تشكك في جدية الإصلاحات، لم ينجر الملك إلى رد استفزازي. فقد تحدث باحترام كبير عن الأحزاب، وخص جبهة العمل "الإسلامي" بالذكر قائلا إنهم جزء من مكونات المجتمع الأردني، نحترم رأيهم وحقهم في المشاركة السياسية وصناعة القرار. واستعرض بعد ذلك الإنجازات التي تحققت خلال الفترة السابقة في مجال الإصلاح السياسي، وهي إنجازات حقيقية وملموسة، لا يستطيع أحد إنكارها، وأبرزها تعديل ثلث مواد الدستور -هناك حاجة لتعديلات إضافية في المستقبل- واستحداث الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، ومحكمة دستورية، وقانون للأحزاب، ونقابة للمعلمين.
وجدد الملك تمسكه بخريطة طريق للإصلاح السياسي تبدأ بانتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل كتل برلمانية تلعب دورا رئيسا في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومات القادمة، وأن يستمر مجلس النواب أربع سنوات كاملة، وتواكبه حكومة منبثقة عن المجلس لنفس المدة.
وختم رؤيته بهذا الخصوص بدعوة جميع القوى إلى المشاركة في الانتخابات على أساس برامجي، ومن خلال أحزاب وتكتلات، لنبدأ فعليا ممارسة التحول نحو الحكومات البرلمانية حسب وصف الملك.
وبخلاف نظرية سادت مراكز الحكم في الماضي، يدرك الملك الارتباط الوثيق بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي. ففي رده على سؤال حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يؤكد الملك أن "المرحلة الدقيقة تستدعي وجود مجلس نواب يعكس الإرادة الشعبية، وحكومة تحظى بثقة المجلس والمواطن لاتخاذ القرارات وتنفيذها". ويلخص ذلك بعبارة جوهرية طالما تجاهلها أصحاب القرار: "الإصلاح السياسي هو ضرورة اجتماعية واقتصادية ملحة". تناول الملك في مقابلته حال الإعلام الأردني، بشقيه الرسمي والخاص. وواضح أن لديه مآخذ على الطرفين. وسندع للمسؤولين عن الإعلام الرسمي معالجة مشاكلهم، فأهل مكة أدرى بشعابها، لكن بالنسبة للإعلام الخاص، فهناك بالفعل إشكاليات كبيرة وتجاوزات وأخطاء، لكن لا يمكن أن نضع الجميع في سلة واحدة، لأن في ذلك ظلما لوسائل إعلام خاص تلتزم قواعد العمل المهني والأخلاقي، وتتجنب الإثارة قدر المستطاع، وتشعر بعبء المسؤولية الوطنية أكثر من بعض المسؤولين أحيانا.
في كل المناسبات التي يتحدث فيها الملك لا تجد مجالا للاختلاف معه حول كل التفاصيل، لا بل يكون في أحيان كثيرة متقدما على الجميع في مواقفه، لكن السؤال المحير: لماذا لا نجد ترجمة أمينة لهذه التوجهات في السياسة والأداء الحكومي؟!

[email protected]