أبعد من عقدة الطب.. قرار خاطئ تم إصلاحه

فارق كبير بين ما يقال حول مسألة القبول في الكليات الطبية من ان" التعليم العالي" قرر تخفيض عدد المقبولين، وبين الحديث عن خلل تم إصلاحه في هذا المجال. وقرار خاطئ اتخذه أحد المسؤولين قبل عامين أو أكثر على خلفية سياسية أو شعبوية وكاد  يطيح بسمعة جامعاتنا وتميزها فكان لا بد من قرار جرئ يعيد الأمور إلى نصابها. 

اضافة اعلان


فمنذ تأسيس الكليات الطبية في جامعاتنا الوطنية، لم تكن لدينا مشكلة في موضوع القبول، باستثناء ما يتم تخصيصه لبرنامج الموازي، حيث تركز الاحتجاج بهذا الصدد على بعدين، أولهما أن تلك المقاعد تشكل ضاغطا على الطاقة الاستيعابية الحقيقية لتلك الكليات، وثانيهما أنه يمكن إخضاع تلك المقاعد للتنافس العادي وبالرسوم العادية. 


غير أن الجدل في هذا الصدد لم يتجاوز الإحساس بأن الجامعات بحاجة إلى موارد إضافية تمكنها من القيام بمهامها وأنه ليس لديها سوى هذا الباب لزيادة مداخيلها وتمكينها من تلبية متطلبات الاستمرار والتخفيف من حدة الديون. 
فالقضية أصلا محكومة بالطاقة الاستيعابية للكليات الطبية وبالحفاظ على مستوى متميز للتعليم، فكان هناك سقف لعدد الطلبة الذين يتم قبولهم سنويا، وضمن معادلة تخضع إلى عدد الأساتذة، وتوفر القاعات والمختبرات، وأماكن التدريب والتطبيق العملي، وعدد الطلبة في المجموعات وبحيث يكون العدد مناسبا ويمكن كل طالب من الحصول على حصته من التدريب والحوار والنقاش والاستماع إلى كل ما يدخل ضمن البرنامج، وضمن تصور ينطلق من ضرورة التميز المهني والأكاديمي لخريجي الطب في جامعاتنا. 


فبحسب شهادة” مقالة” نشرتها” الغد” لرئيس جامعة البلقاء التطبيقية السابق الدكتور عبدالله سرور الزعبي، في 30 آب 2023 ، بدأت المشكلة عام 2019، عندما تم قبول جميع الطلبة الذين كان قد تم تسجيلهم في السنة التحضيرية عام 2018، وارتفع عدد المقبولين بواقع 1528 طالباً عن 2018. “ من 2813 عام 2018 إلى 4341 عام 2019 “. كما قفزت أعداد طلاب طب الأسنان من 345 عام 2018 إلى 985 عام 2019.


ثم تفاقم الوضع لاحقا، ففي العام 2021 ارتفع عدد المقبولين في كليات الطب بالجامعات الحكومية الى 4608 وفي عام 2022 إلى 5888 طالبا.


كل ذلك كان يتم مع إجراءات لا يمكن وصفها بالنضج فيما يخص التوجيهي، ونتائج امتحانه، حيث ارتفعت المعدلات بصورة لم تحدث في التاريخ الأردني. وأصبح الحصول على مجموع علامات كاملة” مائة بالمائة” أمرا عاديا، وفاق عدد من حصل على تلك العلامة في إحدى السنوات السبعين طالبا، جميعهم بمرتبة الأول على المملكة. فزادت شهية الطلبة وذويهم للحصول على قبول بتخصص الطب وإلى حد ما الكليات الطبية الأخرى ومنها طب الأسنان والصيدلة. تحت تأثير المعدلات المرتفعة جدا، وفي خضم ما كان يطلق عليه وصف” عقدة الطب”. 


بالطبع هناك الكثير الذي يقال في هذا الصدد، وهناك العديد من وجهات النظر التي تتراوح ما بين حق الطالب في دراسة أي تخصص يريده ما دام قد حقق متطلبات القبول. وبين حق الجامعة، أو حتى مجلس التعليم العالي في الحفاظ على مستوى متميز لمخرجات التعليم، ومراعاة متطلبات السوق كما ونوعا.

فالمسألة محكومة بضوابط أخرى أكثر إلحاحا. في حين أن موجة القبول الاستثنائي التي أزمت الموقف كانت ـ على الأرجح” محكومة بدوافع سياسية أو شعبوية.


 ودون التشكيك في مهارات الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة، فإن الخوف كبير من أن تكون مخرجات تلك الوجبات من القبول أقل كفاءة مما كانت عليه في سنوات سابقة. وبالتالي فالأصل أن ينظر إلى القرار الجديد من زاوية أنه إصلاح لخطأ جسيم ارتكبه أشخاص كانوا في مواقع المسؤولية، وأدرك آخرون يشغلون تلك المواقع حاليا مسؤوليتهم فأقدموا على اتخاذ ذلك القرار الجريء الذي يتماشى مع الضوابط العلمية ومع حاجة المجتمع أولا، والعالم ثانيا. ويحافظ على سمعة الجامعات الأردنية كرائدة في مجال التميز في هذه التخصصات التي تحتاج إلى برامج تدريبية وتطبيقية وإلى مرافق ملائمة لمثل هذا التميز.  


وكما يرى متابعون لتلك التفاصيل، فإن قرارا برفع عدد المقبولين لا يبني حقا مكتسبا إلا للذين قبلوا في تلك” الوجبات الاستثنائية” وبحدود دراستهم التي يفترض أن لا تمس وأن تسير ضمن الضوابط العلمية التي حددتها الجامعات والهيئات الرسمية المعنية. وإن إصلاح الخطأ أكثر وجوبا من أي بعد آخر يتحدث عنه المحتجون الذين وصف بعضهم الخطوة بأنها غير دستورية. واعتبر آخرون أنها تمس أحلامهم. 


أما الطلبة فتبقى أمامهم الدراسة في الخارج وفقا للضوابط التي حددتها المرجعيات المختصة، فيما إذا أصروا على دراسة ذلك التخصص وكان لديهم الإمكانات المالية الكافية. مع أن الواقع يؤكد خطورة البقاء تحت تأثير “عقدة الطب” بكل مؤشراتها المرعبة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا