أحزاب وقوائم وتحالفات

مع بدء العد التنازلي لانتهاء الدورة العادية الحالية لمجلس الأمة التاسع عشر والتي تنتهي دستوريا في العاشر من نيسان (إبريل) المقبل، باتت الأنظار تتجه نحو موعد الانتخابات النيابية المقبلة والتي ستجري وفق قانون انتخاب جديد كليا، جاء نتيجة لجنة ملكية أخذت على عاتقها تحديث المنظومة السياسية؛ فأوصت بتعديلات دستورية واقترحت قانوني انتخاب وأحزاب جديدين، وتضمن القانون الجديد للانتخاب الذي أقر من غرفتي التشريع (النواب والأعيان) إعادة تقسيم دوائر عمان وإربد ومنح 41 مقعدا للقوائم الحزبية من أصل 138 مقعدا هي مجمل مقاعد المجلس المقبل، على أن يرتفع عدد المقاعد الحزبية في كل دورة ليصل بعد دورتين أي في انتخابات عام 2032 إلى ما نسبته 65 % من عدد المقاعد.

اضافة اعلان


الأحزاب الوليدة حديثا تتحرك بوضوح، وتعقد لقاءات في عمان والمحافظات بأمل وضع تصورات أولية لشكل التحالفات المقبلة، وتلك التحركات تتضمن قراءة المشهد الانتخابي بشكل أفضل، وبناء توافقات وجس نبض لا بد منه قبل الشروع بشكل عملي في تشكيل القوائم والتي ستكون على مستوى الوطن.


صحيح أن موعد الانتخابات المقبلة غير معلوم حتى الآن، ويتحدث البعض عن ظروف إقليمية يمكن أن تلعب دورا في تحديد الموعد وخاصة تطورات المشهد في قطاع غزة جراء العدوان الصهيوني المستمر على القطاع والمتواصل منذ ما يقرب من أربعة أشهر.


تلك السردية التي تعتقد أن مجريات وتطورات الحرب على غزة، والذي يرى أصحابها أنها ممكن أن تساهم في إرجاء موعد الانتخابات، تقابلها سردية أخرى تبدو أكثر واقعية مفادها أن الانتخابات ليست بهذا القرب، والموعد الممكن لانتخابات مجلس الأمة العشرين سيكون إما في شهر اب (اغسطس) أو أيلول(سبتمبر) المقبلين، وبالتالي هناك وقت كاف وبعيد ما يمكن الدولة من الذهاب للانتخابات بشكل سلس، لاسيما وأن العدوان الصهيوني على القطاع يبدو أنه في أيامه الأخيرة في ظل عدم قدرة الاحتلال الاسرائيلي تحقيق أهدافه من العدوان، وبات يحتاج لتدخل إقليمي ودولي لإنزاله عن الشجرة التي صعد اليها من خلال رفع سقف أهدافه التي لم يحققها أبدا في ظل صمود المقاومة وتكبيد إسرائيل خسائر متواصلة.


لهذا كله فإن كل المعطيات تشير أن الانتخابات قادمة، وأن الاحزاب بكل ألوانها وأطيافها عليها البدء سريعا بالتخطيط، والتفكير بالتحالفات المقبلة، ووضع تصورات للقوائم ودراسة مكامن القوة والضعف، والتوسع في الالتقاء بالمواطنين في المحافظات لقراءة المشهد على أرض الواقع، وأيضا تقديم برامج واقعية تتضمن رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها.


وهنا لا بد من التأشير أن الأحزاب وخاصة الحديثة منها عليها تحديد شكلها وبرامجها بشكل دقيق، والإيمان أن اللون الرمادي لا يفيد، فتلك الأحزاب مطلوب منها تقديم رؤية واضحة تتقاطع مع برنامجها  الانتخابي الذي ستخوض بموجبه الانتخابات، وعلى الاعضاء الالتفاف حول تلك البرامج والتعامل مع الحكومة بموجبه، بحيث تظهر للجميع أثر تلك البرامج تحت قبة البرلمان لنشاهد في المجلس المقبل صراع برامج وأفكار، ومعارضة وموالاة برامجية، بحيث لا تخجل الأحزاب من اتخاذ موقف المعارضة إذا كان برنامج الحكومة (أي حكومة) لا يتوافق مع برنامج الحزب ورؤيته المستقبلة، وهذا يتطلب من احزاب كثيرة عدم الاتكاء على اللون الرمادي في تحديد الموقف والذهاب لمواقف واضحة اكثر إقناعا للناس.


وقت ذاك يمكننا رؤية معارضة وموالاة برامجية من شأنه رفع مستوى الحوار تحت قبة البرلمان، ورفع منسوب حرص الحكومات على تقديم أداء يتناسب مع ما يقدمه البرلمان من حوارات ومجادلات وأسئلة واستجوابات، وثقة وحجب، وهذا يتطلب ان تكون مواقف الأحزاب تتوافق مع برامجها وتحجب الثقة وتمنحها وفقا لذلك بعيدا عن أي حسابات ضيقة.


الحقيقة الثابتة أنه لا يمكن الارتقاء بالعمل البرلماني دون الارتقاء بالعمل الحزبي، وأن تنعكس البرامج الحزبية لمواقف تحت القبة، وقتها سنرى الحكومة تحضر أوراقها وتقدم رؤيتها وتعقد حواراتها مع الكتل الحزبية وتتفاوض معها وتقدم لها ضمانات وتعهدات للحصول على ثقتها.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا