أحمد الشقيري.. اليتيم الذي زحف بمقعده وسط الرؤساء

تصادف يوم 28 أيار\ مايو الذكرى التاسعة والخمسين لعقد المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس عام 1964. كان أحمد الشقيري (1908 - 1980) هو مؤسسة المنظمة. وفي السنوات الأخيرة، يبدو أن هناك تجاها عام لتجاوز الخلاف السياسي الذي عاشته فصائل المنظمة معه، وأدت لطلب سبعة أعضاء من اللجنة التنفيذية منه في نهاية عام 1967، التنحي من موقعه رئيسا للمنظمة. ومن علامات الإقرار بدور الشقيري، تسمية قاعة الاجتماعات الكبرى في مقر القيادة الفلسطينية في رام الله، باسمه، حيث تنعقد فيها جلسات المجلس الوطني الفلسطيني، واجتماعات قيادية أخرى. 

اضافة اعلان


دعيت قبل أيام للقاء مداخلة حول الشقيري، ضمن فعالية احياء ذكرى تأسيس المنظمة، نظمتها مؤسسة ياسر عرفات في رام الله. ولغرض إعداد المداخلة، أعدت قراءة أجزاء كبيرة من مذكرات الشقيري، التي يصل عدد صفحاتها نحو الألفي صفحة. بجانب الشق السياسي، والوطني، هناك جزء شخصي في المذكرات يستحق التوقف والتأمل. 


قبل بلوغه الثامنة، كان أحمد مقيما مع أمه التركية، في طولكرم، فألبسته في إحدى المرات بدلة، ووضع في جيبها نص خطاب، وقصد مكان استقبال الحاكم العثماني، جمال باشا، والذي يرافقه شخص، هو مفتي الجيش الرابع العثماني، الشيخ أسعد، ولم يكن المفتي إلا والد الطفل. لم يشاهده ولم يجلس معه يوماً، فقد انفصل الأب الفلسطيني عن أمّه التركية، وبعد جهد جهيد تمكن الطفل من رؤية الباشا، ووالده، من بعيد، لم يتكلم معهما، ولم يلق خطاباً. 


عندما بلغ الثامنة ماتت أمه، فانتقل وحيدا دون مرافق يحمل صرة ملابس، وشهادة ميلاده، إلى عكا، وهذه الرحلة القصيرة نسبيا، أخذت أياما، إذ قضاها في الطريق، حيث استضافه بعض الأفاضل، لحين وجود عربة تقله، ولحسن حظه، رافقه في العربة طبيب، أطلعه الطفل على شهادة الميلاد، فتبرع بإيصاله لأقارب والده. 


عانى التمييز بين أخوته في بيت تقوده زوجة أبيه التركية أيضا، وكان الاجتهاد في المدرسة، والتفوق في فن الخطاب، سبيله لينال القبول والمكانة في العائلة. امتلك اللغة العربية في بيت والده المفتي ومدارس عكا، قبل انتقاله لمدرسة داخلية في القدس تعتمد الإنجليزية، فأتقنها. 


وصل بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية. لم يكمل سنته الأولى عام 1927 إذ ألقى خطابا في جمعية العروة الوثقى الشهيرة، يدعو للوحدة العربية، فطرده الفرنسيون من كل البلدان التي تقع تحت حكمهم. فعاد بطلا تتحدث عنه الصحافة، ويصبح خطيبا شهيراً في فلسطين، وصحفيا في جريدة مرآة الشرق المقدسية، حيث تعرف على السياسيين الفلسطينيين، وأعضاء البرلمان الأردني حينها، وعلى التجربة البرلمانية الأردنية الناشئة، ودرس القانون، وانخرط في الحياة السياسية، ليسجن في سجون الانتداب البريطاني، وفي المنفى تعاظمت علاقاته السياسية. 


في عام 1947 دعته سورية، ليصبح مستشار وفدها في جامعة الدول العربية، وسرعان ما أصبح ممثل سورية في الجامعة، ثم في الجامعة والأمم المتحدة معاً، وأضاف للموقعين بدءا من عام 1951، موقع مساعد الأمين العام للجامعة، ثم استعارته السعودية عام 1957 ليصبح ممثلها في الأمم المتحدة، برتبة وزير. 


انتهى عمله مع السعودية في آب\ أغسطس 1963 ليتولى في الشهر التالي منصب ممثل فلسطين في الجامعة، بعد وفاة أحمد حلمي عبدالباقي الممثل السابق. ولم يضع وقتا، خلال أيام، شكل وفدا من 18 شخصا بينهما سيدتان، وذهب إلى نيويورك ليمثل فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفرض حضور الوفد رغم المقاومة الإسرائيلية. 


في بداية عام 1964 انعقدت القمة العربية، فوجد مكان جلوسه في الخلف، ليس بين الرؤساء، باعتبار فلسطين ليست دولة، ولا رئيس لها، فدفع كرسيه، وتسلل، حتى أصبح في الصف الأول، وفي الجلسة الثانية التي لم يدع لحضورها دخل عنوة. اتخذت القمة قرارا غامضا، أن يجري الشقيري مشاورات ويقدم تصورا للجامعة عن تطوير العمل الفلسطيني من أجل التحرير. سرعان ما قدم تصورا واضحا ووثائق ودستورا لتأسيس كيان، هو منظمة التحرير الفلسطينية، قدمه للرئيس المصري جمال عبدالناصر، الذي دعم المشروع، ووافق الأردن على عقد مؤتمر تأسيسي، في القدس، في أيار، وعندما اجتمعت القمة العربية في أيلول (سبتمبر)، مجدداً كانت المنظمة ومؤسساتها أصبحت أمرا واقعا.  

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا