أسئلة الرواية الأردنية في الحرب على غزة

منذ السابع من أكتوبر بدء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة تغير شكل العالم، ودخل الجميع في حالة استنفار، وتحشيد. وكان الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ساحة حرب أخرى، لا تقل أهمية عن ما يحدث في ميدان المعركة، فصراع الروايات، والسرديات بين معسكر مؤمن ومتضامن مع عدالة القضية الفلسطينية، ويرى، ويصف حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومعسكر آخر داعم للكيان الصهيوني، يتبنى البروباغندا التي يشيعها، والأكاذيب التي يلفقها.

اضافة اعلان


ومنذ العدوان الإسرائيلي والصراع، والمكاسرة الإعلامية مستمرة، وتنفق عليها الدول مليارات الدولارات، وتضع خططها، حماية لها من تداعيات الحرب، وتكريسا لمواقفها.


الدولة الأردنية على تماس يومي مباشر مع حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وعدا عن رفضه للعدوان الهمجي، فإنه يدرك أن هذه الحرب الفاشية يصيب شررها الأردن، وفي كل المحافل الدولية قادت الدولة حراكا لافتا، وكان صوتها الأعلى، والأكثر تأثيرا.


ورغم تفوق وزير الخارجية الأردني الشجاع، أيمن الصفدي، في التعبير الحاسم عن مواقفنا، فإن أصواتا تتعالى في الداخل بأنه لا توجد رواية رسمية، وسردية تشكل رافعة للدولة، ولذلك عند أي حملة ممنهجة، أو غير ممنهجة ضدنا، نشعر بالتوهان، وأحيانا فقدان البوصلة، وتسأل بشكل مشروع أين وزارة الاتصال الحكومي؟ 


أعطي مثلا، موقف القوات المسلحة الأردنية «الجيش العربي» في دعم الأهل في فلسطين لا يزاود عليه أحد، وهو ناصع البياض، فمنذ عام 2000 قبل 23 عاما أُرسل فرق طبية للمساعدة في رام الله، وجنين، ومنذ عام 2008 بدأت أول المستشفيات الميدانية في غزة، وتوسعت خلال العدوان، والأردن الدولة الوحيدة التي كسرت الحصار بإنزال جوي يحمل معدات وأدوية لضمان استمرار المستشفى الميداني في العمل، ومع ذلك فيديو على السوشيال ميديا، وهو ليس عملا صحفيا استقصائيا، ولا عملا إعلاميا محترفا يغضبنا، ويوجعنا.


إعادة نشر هذا الفيديو خطأ ناتج عن سوء تقدير، ولكنه لا يحتاج أن نقسم جبهتنا الداخلية الموحدة، والدرس الأهم أن نسأل لماذا يُصدق البعض معلومات هزيلة، وينسى ما نفعله في الميدان، هل لدينا حلقات ضعف في إيصال صوتنا، وموقفنا، ولماذا نعتمد ردات الفعل، ولم تتبلور عندنا خطة لمواجهة استحقاقات الحرب على غزة، الآن، وما بعد توقفها؟ 


ما حدث أعادني إلى قصة السردية، والراوية للدولة، وتذكرت استراتيجية وزارة الاتصال الحكومي التي عُرضت في نقاشات في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، ولم أعرف في هذه الظروف التحرك الذي كان على الحكومة، ممثلة بهذه الوزارة أن تفعله، على الأقل على صعيد الجبهة الداخلية؟ 

 

أكثر عمقا، وفي البعد الاستراتيجي لم ألمس حضورا فاعلا للمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، هل يوجد أكثر خطورة من هذه الحرب التي امتدت منذ 80 يوما، وهل هناك ما يقوم به ولا نعرفه؟


أثناء جائحة كورونا تصدّر المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات المشهد، وشعرنا أن هناك مؤسسة تطوع كل الجهود في سياق موحد، سواء اتفقت، أو اختلفت معه، وكان رئيس الوزراء ينطلق منه، ويستخدمه كخلية للتفكير، والتخطيط الجمعي.
هنا أسأل، وربما هناك من يضعون هذا السؤال برسم إجابة الحكومة لتقدم لنا إيضاحات لسر غيابه علنا عن المشهد؟


واستوقفني أمر آخر على هامش هذا العدوان الغاشم، والمخاطر التي تواجه البلاد، أين مجلس الأمن القومي الذي نص عليه الدستور، وصدر نظام خاص في شهر نيسان/ إبريل من العام الماضي شُكل بموجبه، ويضم رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، ومدير الأمن العام، وعضوين يعينهما الملك؟


حسب معلوماتي لم تصدر إرادة ملكية بتسمية العضوين، ولم يجتمع مجلس الأمن القومي حتى الآن رغم أن المادة (4) من نظامه تنص على «يختص المجلس بالشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية»، وباعتقادنا لا يوجد ظرف موجب لانعقاده أكثر الحاحا مما نحن فيه.


عودة إلى ذي بدء؛ في زمن الحروب تنتشر الإشاعات، وتكبر التحديات، ويكون الداخل في مخاض صعب، ونحتاج أدوات، واستراتيجيات تضع السيناريوهات المحتملة، وتضع آليات التعامل معها، تفكر بعقل بارد، ولا تشتغل على نظام الفزعة، ترى الصورة الشمولية، تحدد نقاط قوتنا، وضعفنا، وتملك سرعة الرد العلمي الفاحص الذي لا يحكمه الغضب، وإنما تظل البوصلة مصلحة الدولة، والشعب.


السؤال بعد كل هذا الوقت؛ هل فعلا قمنا بهذا الواجب، الذي يحمي، ويحُصن وطننا؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا