الآداب العامة والآداب الخاصة/الإتيكيت

يتبرم كثير منا من خشونتنا في التعامل مع بعضنا البعض، وحتى من جلافة بعضنا، وربما من همجيتهم، وكـأننا أعداء مسبقاً بعضنا لبعض. ومن أجل تطرية سلوكنا العام والخاص وتنعيمه نحن بحاجة إلى تعلم المعاشرة أو مهارات الآداب العامة (Manners) والآداب الخاصة (الاتيكيت). 

اضافة اعلان


وبما أن الأسرة– إجمالا- لا تملك أو لا تعرف هذه المهارات، فإن العبء يقع على المدرسة– وكيلتها – وعلى الإعلام (المدرسة الموازية) وعلى الجامعة أيضاً. لكن المشكلة أو السؤال هل يملك أو يعرف مجمل المديرين والمديرات والمعلمين والمعلمات والمدرسين والأساتذة والمدرسات والأستاذات هذه المهارات ليعلّموها مباشرة أو بالقدوة؟ أعتقد أنهم بحاجة إليها، ومن ثم يجب أن يتعلموها في أثناء إعدادهم أو في أثناء عملهم. إن تعلّم الآداب العامة والآداب الخاصة وممارستها في المواقف المختلفة يغير الشخصية ويحولها إلى شخصيات مهذبة ناعمة ومرهفة وودودة وواثقة بنفسها، ومشعة لساناً ولغة جسد، يحبها الناس.

ويقتربون منها ويتحدثون عنها. إن الآداب العامة والآداب الخاصة لازمة اليوم، أي في عصر الانفتاح والعولمة والحركة والسياحة.


الآداب العامة والآداب الخاصة موضوع معروف ومحدد وسلس، وليس صعباً تعلُّمه وتعليمه، فهو ليس لوغاريتمات او خوارزميات. وبتعلمه وتعليمه يمتصها الأطفال والتلاميذ والتلميذات والطلبة بسهولة، وتتحول بالممارسات –لا بالكلام أو الوعظ - إلى مهارات، لأن تعليمها بالكلام أو بالوعظ لا يفيد لأنها سرعان ما تنسى إذا لم تُمارس وتتحول إلى مهارات وإلى جزء من العقلية الثقافية والسلوك.


يظن كثير من الناس أو يعتقدون أن هذه الآداب معروفة لديهم، ومتداولة عندهم، وأنهم ليسوا بحاجة إلى تعلمها بينما الواقع يدل على خلاف ذلك، لأن الشكوى عامة من غيابها. 


ومن ذلك أن بعضنا يذهب للمقابلة في شركة– مثلاً– للحصول على وظيفة، وهندامه سيئ وشعره منفوش، وبنطاله (الجينز) مخزوق، وقميصه مكتوب أو مصور عليه، ووقفته أو جلسته أو لغة جسده سلبية، أو يلعب بالهاتف، فيكون الانطباع الأول الذي يتكون عنه عند اللجنة وفي بضع ثوانٍ سلبياً، فيخسر. ولا أريد أن أتحدث تفصيلاً عن آداب المائدة. فكثير منا لا يعرف وظيفة هذه السكاكين والملاعق والشوك... التي تملأ طاولة الطعام إذا دعي إلى غداء أو عشاء رسمي. كما لا يدري إن كانت كاسة الماء هذه، أو الخبزة تلك له أو لجاره.


الآداب العامة والآداب الخاصة طريقة مثيرة وحتى خرافية لإدارة نفسك، يظهر بها الاحترام والاعتبار والحنان والود واللطف لمن حولك ولمن تتعامل معهم أو تلتقي بهم أو تتصل أو تتواصل معهم، تجعلك لطيفاً وشخصيتك كارزمية. 


الآداب العامة والآداب الخاصة تضعك أمام الناس، فبأي أسلوب أو طريقة تتعامل معهم، وبأي صورة تعرض نفسك عليهم كما يتجلى بتعبيرات وجهك ومظهرك ولغة جسدك. 


الآداب العامة والآداب الخاصة في النهاية نوع من ممارسة الذكاء الاجتماعي، والذكاء العاطفي. لا يعني ذلك الشعور بأنك فوق الجميع، وإنما تجعل من حولك يشعرون بأنهم محترمون ومهمون، وأن لهم قيمة كبيرة عندك، وأنهم يدركون ذلك بسلوكك نحوهم لا بأقوالك فقط. وعندما يرى الناس سلوكك هذا نحوهم سيطلبون معرفة السر، وسيطالبون بتعليم أطفالهم هذه الآداب، لأن قراءة كتاب أو حتى عدة كتب عنها لا تكفي لتعلمها. يجب تعلّمها كما ذكرت باللفظ والمعنى والمبنى والممارسة، وبحيث تتحول إلى مهارات تتجلى في السلوك بمختلف المواقف والمناسبات. 


إنني ادعي أننا بحاجة ماسة جداً إلى تعلّم هذه الآداب وإلى ممارستها، فالأسرة الممتدة انقرضت، وقد حلت الأسرة الذرية محلها، وهي ذات علاقة يومية مع الآخرين في أمور وشؤون ومستويات شتى، شئنا أم أبينا، ومن ثم فنحن لا نستطيع التعامل بالآداب القديمة في الطعام والشراب واللقاءات والندوات والرحلات، والسواقة والنظافة.


في أيام الأسرة الممتدة كان عدد المواشي في الريف والبادية يفوق عدد سكانها، وكان الناس يرونها ويتعاملون معها أكثر من تعاملهم مع بعضهم البعض، كان معظم الناس يقضون وقتهم معها ومع نتاجاتها. لم تكن هناك – مثلاً - طاولة مليئة بالملاعق والشوك والسكاكين والصحون. أما اليوم – بوجه عام - فهي موجودة ومتداولة ويلزم تعلم آدابها / إتيكيتها. 


كان المطلوب في الماضي محدوداً. أما اليوم فهو مختلف وكثير. صارت الآداب العامة والآداب الخاصة لازمة لكل واحد/ة أياً كان مركزه أو عمله، وحتى في ركوب المصعد. الآداب العامة والآداب الخاصة أيديولوجية جديدة وفن اجتماعي عماده المعرفة والثقة بالنفس، ولكنه في منطقتنا العربية فن مفقود، أو حتى مرفوض. ولذلك يبدو بعضنا جلفاً أو همجياً في التعامل مع الناس لاعتقاده بتفوق المركز أو الأهمية أو المال عليهم، فينظر إليهم من فوق وكأنه لا يراهم أو لا يعيرهم أي انتباه. 


وأخيرا، أدعو وزارة التربية والتعليم الجليلة إلى إدخال هذه الآداب في صميم التعليم، والمدارس الخاصة الراقية إلى تعليمها، وستكون مصدر دخل كبير لها، يسمونها في سويسرا وغيرها بمدارس «التشطيبات» التربوية (Finish Schools).

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا