الأردن في قلب المعركة

يخطئ من يعتقد أن حرب الإبادة التي تشنها دولة الإرهاب تتوقف عند حدود غزة. وأن الأطماع الصهيونية تتوقف عند حدود كيانها الحالي، أو عند حدود القدس الشرقية، أو حتى الأراضي المحتلة عام 1967. 

اضافة اعلان


ويخطئ من يعتقد أن كيان الإرهاب يدير حرب غزة بتلك الطريقة البشعة وعينه على مكان آخر، وإنما يديرها بأسلوب يتجاوز عملية الاحتواء المزدوج، إلى ما هو أبعد بكثير. فهو يدير أكثر من حرب في آن واحد، ولكن بأساليب متعددة، تفضي جميعها إلى نتيجة واحدة قد لا تختلف كثيرا عن الطريقة الإجرامية التي تفردت بها عن كل جيوش وحكومات العالم، وبما يتقاطع مع كل الشرائع السماوية والأممية المعنية بحقوق الإنسان وبالنظام الدولي عموما، يساعدها في ذلك بشكل مباشر وغير مباشر دول لا تتورع عن إبداء الانحياز لها بكل ما في مشاريعها العدوانية من بشاعات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية. 


ولعل في الرسائل التي تبعث بها دولة الإجرام الصهيوني ما يتخطى" هرطقات" إيدي كوهين وأمثاله من عملاء الموساد والذباب الإلكتروني، وما يتحدث به بعض المتطرفين ما يكفي للتدليل على شكل ونوعية المشاريع التي تجاوزت التفكير بها، ودخلت في مجال التخطيط لإطلاقها أو حتى البدء بتنفيذها. 


من ذلك ما جادت به قريحة قائد الشعبة الدينية لجيش الاحتلال الحاخام اليعيزر كاشتيل في توجيه أمام مجموعة من العسكريين حيث اعتبر أن الحرب تكليف رباني، وأنها من الوصايا المقدسة، مستبعدا عامل إنقاذ النفس عن سلم الأولويات. وبحسب التوجيه الحاخامي فإن الحرب ضد دول الجوار ترتقي إلى مرتبة الواجب الديني. وأن على إسرائيل أن تشن الحرب ضمن حدود" ارض إسرائيل الموعودة" حتى لو لم تطلق دول الجوار عليها رصاصة واحدة. 


ويبالغ في شرح عقيدة الدولة الإرهابية بالتأكيد على أن من يطلق النار على إسرائيل فإنه مسخر لتلك المهمة وأنه كمن يدعوها ـ ضمنا ـ أو يعطيها الفرصة إلى الحرب وصولا إلى " تحرير" كافة أراضي إسرائيل التي يدعي أنها تشمل غزة، وتمتد حتى نهر العريش" النيل" جنوبا وإلى لبنان وحتى طوروس شمالا كما تشمل الأردن. 


ويضيف بعض التفسيرات الخرافية بالقول أن " بني إسرائيل" كانوا يسكنون الأردن، وأنهم قاموا بغزو أريحا "المغلقة" من هناك. ويصف" أرض إسرائيل" بأنها الأرض التي لم تمنحها الأمم المتحدة لهم في العام 1948 ، وأن " تحريرها واجب ديني"، وغزوها " أمر إلهي ". 


ومن الرسائل أيضا، المنشورات التي تم توزيعها في مناطق الضفة الغربية والتي تدعو الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية للأردن، وتحدد لسكان كل مدينة فلسطينية المدينة الأردنية المقابلة للهجرة اليها.                                                                                                                   قد يطول الشرح هنا، حيث لا يتسع المقام، غير أن ما هو مؤكد الآن، أن جرائم الاحتلال لن تتوقف عند حدود غزة، وأنها ستتعداها إلى الضفة الغربية كمرحلة ثانية، وبعد أن تنتهي من إكمال عملية التهجير لأهل غزة ـ إن نجحت في مشروعها الذي يقوم على فكرة الإبادة الجماعية والأرض المحروقة، واستحضار كافة جرائم الحرب المعروفة والممكنة ـ. ما يعني أن أذاها سيطال الأردن بصيغة مباشرة وغير مباشرة، ويضع الدولة الأردنية في قلب المعركة أكثر مما هي عليه الآن.

 

حيث واصلت دعمها لسكان قطاع غزة، وفضحت ممارسات الاحتلال وخاضت معركة سياسية ودبلوماسية شرسة أزعجت الكيان، ونجحت في تغيير الكثير من المواقف الدولية، وتنامي الحراكات الشعبية المناهضة للعدوان، على مستوى العالم.


الأردن استشعر تلك الاخطار منذ البداية وأطلق معركة سياسية على مستوى العالم موظفا ما يمتلكه من احترام وتقدير، بين من خلالها الأخطار التي تتهدد المنطقة والعالم جراء حرب الإبادة التي تنفذها دولة الإجرام الصهيوني في غزة وما تفكر به من خطوات ومراحل أخرى. 


واتخذ من الإجراءات ما يمكنه من الوقوف في وجه تلك الاطماع، وبعث من الرسائل ما هو ضروري لإبلاغ دولة الإجرام الصهيوني بأنه يمتلك من الأوراق ما يرد به على عنتها وصلفها وعنجهيتها. ومن عناصر القوة ما يمكنه من الدفاع عن نفسه، وما يجعله قادرا على صد أي عدوان يستهدفه. وأن الأردن ومع إدراكه لاختلاف موازين القوى، لن يكون لقمة سائغة لأطماعها أو لأية أطماع من قبل أي واهم على مستوى العالم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا