حرب غزة بين حسابات الحقل والبيدر

ما بين أحلام ذلك الفلاح الذي تحدثت عنه إحدى القصص الشعبية التراثية الهادفة وما راود قيادات التطرف في الكيان الصهيوني فجوة وحيدة عميقة ونتيجة واحدة.

اضافة اعلان


أما الفجوة فقد تمثلت بما وصل إليه خيال الفلاح البسيط مقارنة مع ما حصده الكيان الصهيوني حتى الآن، وما ينتظره على مدى الأسابيع أو الأشهر المقبلة التي يتحدث عنها بقدر كبير من العنجهية والغرور الذي لا يخلو من توظيف دعائي.


فقد قادت الفلاح البسيط أحلامه الوردية إلى أن الموسم الزراعي لحقله سيكون جيدا وسيكون إنتاجه وفيرا وسيمكنه من تسديد ديونه واستكمال بناء بيته المتواضع والزواج من ابنة عمه التي يحبها ويحتفظ بالفائض من الإنتاج لمؤونة السنة المقبلة وما بعدها من السنوات. قبل أن يتفاجأ بأن الموسم متواضع وأن ما جناه من حقله لا يكفي لمؤونته ومتطلباته الشخصية الاعتيادية على مدى عام مقبل. 


أما زعماء التطرف الصهيوني فما يزالون يحلمون بأنهم سيحققون نصرا مختلفا على المقاومة الفلسطينية، وأنهم سيدمرون حركة حماس بشكل كامل، بما في ذلك قيادات الحركة وبنيتها التحتية فوق الأرض وتحتها، وترتيب أوضاع قطاع غزة وفقا لما يخدم المصلحة الإسرائيلية حتى لو كان ذلك بأسلوب الاحتلال الكامل أو بتهجير سكانها وإدخالها ضمن منظومة الاحتلال. 


ولأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أن أحاديثهم تلك ما هي إلا أحلام ليل تتبخر مع أول صدمة من تلك الصدمات الكبرى التي يتلقونها عند كل محاولة توغل، فقد لجأوا إلى التسويف واللعب بالوقت، والادعاء بحسم الحرب لصالحهم خلال فترة تتراوح ما بين أسابيع وعدة أشهر، وحتى عدة سنوات. لكنهم هربوا للتغطية على فضائحهم باستخدام كافة الوسائل المحرمة دوليا وإنسانيا لقتل أكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء والشيوخ بواسطة القصف العشوائي للأحياء والمنازل والمدارس والمخابز. وحرمان الشعب الغزي الفلسطيني من كل مقومات الحياة، بما في ذلك حرمان المرضى والجرحى من الدواء والغذاء والماء واللوازم الطبية وتركهم يموتون، وقصف المستشفيات والإصرار على إخلائها من المرضى، بمن فيها من أطفال وشيوخ ومصابين وكل من لجأ إلى ذلك المكان المحرم أملا بالحصول على أمن حياته. واستغلال الدعم الأميركي الذي قدم للكيان الصهيوني المال والسلاح والعتاد وأصحاب الخبرة في كل ما تحتاجه المعركة. 


غير أن النتيجة ـ حتى اللحظة ـ لم تبتعد عن الخيبات المتكررة، فإضافة إلى الكمائن العديدة التي وقع بها الجيش الإسرائيلي واعتراف قيادته بسقوط عشرات القتلى، مقابل تأكيد تحليلات متخصصة قدرت عدد قتلى الجيش بالمئات، وتدمير مئات الآليات، ودخول آلاف الجنود بحالات اكتئاب وانتحار، وممارسة ذوي الأسرى المحتجزين لدى المقاومة ضغوطا كبيرة على الحكومة لتنفيذ صفقة تبادل قال متابعون أنها كانت جاهزة قبل أن يتراجع نتنياهو عن الموافقة على إبرامها. 


أما في الجانب الفلسطيني فهناك صمود تحت القصف وتعامل فريد مع الألم والموت والجوع والإصابات، ورفض التهجير خارج أرض غزة ما يدعم خطط المواجهة ويعزز صمود المقاومة في تلك الحرب الشرسة، التي فقدت صفتها كحرب نتيجة للممارسات الصهيونية وخروجها عن الضوابط الإنسانية المقرة للالتزام بها على مستوى العالم، وتنكر الولايات المتحدة لها. 


اللافت هنا أن رئيس حكومة التطرف وبعض رموزها حاولوا وما زالوا يحاولون القفز على تلك الحقائق، بالتأكيد على أن سحق المقاومة أمر مؤكد، ويتحدثون عن "مرحلة ما بعد حماس"،  ويطرحون سيناريوهاتهم لإدارة قطاع غزة. ومن المؤسف أن عددا من الدول العربية تشاركهم الرأي في بعض تلك النتيجة، ويبدي بعضهم وجهة نظره بخصوص تلك المرحلة، متناسين أن بلوغها لن يكون أمرا سهلا، وأن الاقتراب منها يعني أن تتكبد دولة التطرف خسائر لا قبل لحكومتهم ولا لدولتهم بتحملها أو التعامل مع تبعاتها.


وفي النتيجة فالتحليلات الواقعية تؤكد أن حركة حماس لا يمكن اقتلاعها، بعد أن أصبحت فكرا وثقافة ومؤسسة، وأصبحت لها من الشعبية لدى الشعب الفلسطيني والعربي ما يفوق كافة التنظيمات. وأن اغتيال بعض قياداتها لا يمس هيكلها التنظيمي بحكم وفرة القياديين في صفوفها. وبحكم اعتمادها على النفس في تصنيع متطلباتها، ومن خلال بنيتها التحتية الفريدة تحت الأرض وفوقها. وفوق ذلك كله لا تسمع من الغزيين بمختلف انتماءاتهم التنظيمية سوى عبارات "لن يحكم غزة إلا أهلها".


من هنا فالنتيجة المؤكدة أن حرب غزة ستكون طويلة، وستطول أكثر مما يدعي الإسرائيليون، وستكون نتائجها محكومة بفرضية" الحقل والبيدر". والمهم هنا أن يتعامل الطرف العربي مع تلك المعطيات. وأن يتعامل العالم مع ما يجري وفقا للقانون الإنساني الدولي وليس بأخلاق إسرائيل وبرغبات وأحلام قياداتها المتطرفة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا