الأمم المتحدة من جديد

نحتاج في هذه اللحظات الحاسمة من الحرب على قطاع غزة أن نعود بالذاكرة لشهر سبتمبر من العام الماضي عندما طرح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسئلة الكبيرة حول مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه المآسي التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون وغيرهم من ضحايا الحروب والأزمات الذين يواجهون القتل والدمار والجوع وانعدام الأمل بحاضرهم ومستقبل أجيالهم.

اضافة اعلان


لم تكن حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي قد اندلعت بعد، مرت ثلاثة أسابيع قبل أن يستفيق العالم على أكبر جريمة يشهدها الناس رأي العين، أحياء بأكملها ومستتشفيات وجامعات ومدارس ودورعبادة تنسف، ومرافق تسوى بالأرض، وعشرات آلاف من الشهداء والمفقودين والجرحى، ومئات الآلاف من النازحين في كل الاتجاهات بلا مأوى ولا ماء ولا غذاء ولا دواء!


لقد فاقت تلك المأساة الإنسانية أسوأ التوقعات، وكانت التحذيرات التي أطلقها جلالة الملك في ذلك الخطاب التاريخي، وما تبعه من مناسبات دولية لاحقة تدفع جميعها في اتجاه واضح كل الوضوح نحو الهدف الذي يتوجب على الشرعية الدولية فرضه بصورة حازمة وصارمة، ليس لأنه من مسؤولياتها التي أنشئت من أجلها وحسب بل لأن مصداقيتها ستصبح محل شك بشأنها، وبالعدالة الإنسانية التي تشكل الضمانة الأكيدة لحفظ السلام العالمي.


الآن وقد عرف العالم أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تنتهك الشرعية الدولية بكل ما يرتبط بها من هيئات ومجالس واتفاقيات ومعاهدات وقوانين وأعراف فإن قادة العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن يرون بشكل أكثر قربا ووضوحا كل ما كان يلقي جلالة الملك عليه الضوء لكي يدرك الجميع الحدود الفاصلة بين أصل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يمكن حله من خلال إنهاء الاحتلال، ومنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس الشريف، وبين وجود كيان متمرد على النظام العالمي للدول، يتمسك بسردية فريدة من نوعها تدفعه إلى إرتكاب حرب إبادة بأدق تفاصيلها وأفدح قبحها، كما لو أنها حق مشروع لها تحت عنوان الدفاع عن النفس!


اليوم نفهم عمق وأثر السياسية التي قادها الأردن لتحفيز الشرعية الدولية للدفاع عن نفسها من خلال رفضها استمرار الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات التي يقترفها في غزة والقدس والضفة الغربية، ومنعها من توسيع دائرة العدوان لتشمل المنطقة كلها، وتهديد الأمن والسلام العالمي، وتلك السياسة آخذة في التقدم للأمام، وتحظى بتحالف دولي يتزايد من يوم إلى يوم.


من الواضح أن السياسية الأردنية تتعامل مع مفهوم العودة إلى الأمم المتحدة من منطلق  مسؤولياتها غير القابلة للنقاش، وعدم تهميش دورها بسبب تركيبة مجلس الأمن الدولي التي بإمكان أحد أعضائها الدائمين تعطيل قرارات الأغلبية المتمثلة في الجمعية العامة، أو الوقوف عاجزة أو مترددة أمام القضايا، خاصة تلك التي تمس الإنسانية في الصميم.


لا شك أن تغريدة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين السيد أيمن الصفدي التي دعا فيها إلى فتح جميع المعابر البرية إلى غزة وإنهاء تجويع سكانها، ووقف إطلاق النار في القطاع قائلا إن الأمم المتحدة يجب أن تكون مسؤولة عن جميع العمليات الإنسانية، وأن يكون لها حق الوصول الكامل في القطاع، وأن أي شيء أقل من ذلك سيكون كذبة أخرى ولن يبدأ حتى في معالجة الكارثة التي خلقتها إسرائيل، لا شك أنه يفسر تلك السياسة وقوة لهجتها وتأثيرها لإحداث التغيير المأمول في قدرة وحاجة الأمم المتحدة لكي تثبت وجودها وتفرض هيبتها!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا