المرتكزات العقائدية للفكر الإبادي الصهيوني (1)

ليس نحن العرب فقط، وإنما كل غير يهودي، منذ الأزل إلى يوم الدين، هو «حيوان» وخادم لليهود، بمشيئة إلهية، وهدف مشروع للقتل. وليس من المفاجئ أن يفعل الصهاينة ما يفعلون الآن في غزة وما فعلوه كل الوقت، لقد تصرفوا –ويتصرفون- من المنطلقات التي جيّش بها مؤسسو الصهيونية –العلمانيون- اليهود جيش الغزو، واستخدموها -بالتحديد لأنها متجذرة في التعاليم المقدسة، ولأنها المشترك العقائدي للاهوت اليهودي الذي يسهل التجنيد به كبيان تحشيد جاهز.

اضافة اعلان


«الأغيار، الغوييم، الجنتايل، هم باقي البشرية من غير اليهود، من أي عقيدة أو جنس أو دين. وتتكرر هذه الصفة بكثافة في النصوص الدينية اليهودية، التلمود بشكل خاص، دائمًا لإبراز الفارق بين اليهودي و»الغوي» (مفرد غوييم)، وتفصيل طريقة تعامل اليهودي معه بطريقة مختلفة عن تعامله مع يهودي. وبالإجمال، ثمة نوعان من «الأخلاق» –أخلاق خاصة بالتعاملات بين اليهود، و»أخلاق» خاصة بمعاملة الغوييم. وما هو غير أخلاقي بين اليهود، كثيرًا ما يكون مطلق الأخلاقية تجاه الأغيار، وكان من سوء طالع الفلسطينيين أن يُختزل فيهم «الغوييم» ليكونوا موضوع التطبيق البراغماتي المثالي لتجسيد كل تعريفات ووصايا اللاهوت التلمودي، في شكل الاستعمار الاستيطاني الإبادي الصهيوني في فلسطين، منذ الصياغة النظرية للصهيونية، وحتى الإبادة الجماعية في غزة.


في العام 1543، كتب الباحث والمصلح الألماني المسيحي، مارتن لوثرMartin Luther، مقالة طويلة بعنوان «عن اليهود وأكاذيبهم»، وكان مما كتب فيها: «ألا يقول تلمودهم، وألا يكتب حاخاماتهم أنه لا حرج في القتل إذا قتل اليهودي غير اليهودي، لكنها خطيئة إذا قتل أخاه في إسرائيل؟ وأنه لا خطيئة في ألا يبر اليهودي بقسمه لغير اليهودي، وأنَّ نهب غير اليهودي وسرقته، كما يفعل اليهود بالربا، ليست أقل من طقس مقدس؟ إنهم يعتقدون أنهم لا يمكن أن يكونا قساة علينا ولا مخطئين في حقنا، لأنهم قديسون نبيلون ومختونون، في حين أننا نحن أغيار ملعونون؛ لأنهم سادة العالم، ونحن خدم لهم... نعم، مواشيهم...».


وأكد لوثر: «إذا اعتقد أحد أن ما أقوله أكثر من اللازم، فإنني لا أقول الكثير، وإنما القليل جداً. لأنني أرى في كتاباتهم كيف يلعنوننا نحن الأغيار، ويتمنّون لنا جميعاً الشر في مدارسهم وصلواتهم».


وفي 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2010، بعد نحو 480 عامًا، كتب مارتين بيرتس، في صحيفة «ذا نيو ريببلك» مقتبسًا الحاخام اليهودي، عوفيديا يوسف، في خطبته الأسبوعية ليلة السبت السابقة، متحدثًا عن القوانين المتعلقة بالأعمال التي يُسمح لغير اليهود بالقيام بها يوم السبت:


(بداية الاقتباس) قال يوسف: «لقد ولد الغوييم فقط لخدمتنا. من دون ذلك، ليس لهم مكان في العالم –(إنهم هنا) فقط لخدمة شعب إسرائيل».


وفقًا ليوسف، فإن حياة غير اليهود في إسرائيل يحفظها الله حتى يمنع الخسائر التي تلحق باليهود.‏ وقال يوسف: ‏»في إسرائيل، ليس للموت سلطان عليهم.. مع غير اليهود، سيكونون مثل أي شخص آخر –سيتوجب أن يموتوا. لكن (الله) يمنحهم طول العمر. لماذا؟ تخيلوا أن يموت حمار المرء، سوف يخسر ماله».‏


«هذا (الحمار) خادمه... لهذا السبب يحصل (الحمار) على حياة طويلة، لكي يعمل جيدًا من أجل هذا اليهودي». (انتهى الاقتباس)


في أيار (مايو) 2015، وكجزء من اتفاق الإئتلاف بين رئيس الوزراء آنذاك، بنيامين نتنياهو، وحزب «البيت اليهودي»، تم تعيين النائب الحاخام إيلي بن دهان، نائبًا لوزير الدفاع. وبموجب منصبه الجديد، سيكون بن دهان «مسؤولاً عن الإدارة المدنية في الجيش، التي تدير الشؤون الحكومية في الضفة الغربية. وكان قد صرح في مقابلة إذاعية في العام 2013 متحدثًا عن الفلسطينيين: «بالنسبة لي، هم حيوانات. إنهم ليسوا بشرًا». كانت هذه هي عقيدة رئيس السلطة المسؤولة عن البنية التحتية في المنطقة (ج) في الضفة، ومنح تصاريح السفر ودخول الفلسطينيين إلى الكيان وخروجهم منه في الضفة وغزة. كانت وظيفته هي إدارة شؤون «الحيوانات» الفلسطينية، حسب عقيدته الإيمانية.


وفي تصريحه الشائن بعد عملية «طوفان الأقصى» في تشرين الأول «أكتوبر»، قال يواف غالانت، وزير حرب الكيان: «لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لا كهرباء، لا طعام، ولا وقود. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك».


وفي بدايات حربها الإبادية على غزة، استدعت الحكومة الاستعمارية عزرا ياشين، البالغ من العمر 95 عاًما وأقدم جندي احتياط حي في حيش الكيان، «من أجل التحدث إلى الجنود ورفع روحهم المعنوية»، كما قال حنانيا نفتالي، أحد مساعدي بنيامين نتنياهو. وقد أوصل ياشين عقيدة «الدولة» كما ينبغي في فيديو خاطب فيه الجنود. وقال ياشين، متحدثًا عن الفلسطينيين في غزة:


«اهزموهم واقضوا عليهم ولا تبقوا على أحد. اقضوا عليهم وعلى أهلهم وأمهاتهم وأطفالهم. هذه الحيوانات لا يجب أن تعيش اليوم. ليس لدينا أي سبب لعدم القيام بذلك... يجب على كل يهودي يحمل سلاحًا أن يخرج ويقتلهم. إذا كان لديك جار عربي، لا تنتظر، اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه. هاجموهم ولا تنتظروا أن يشنوا غارات جوية علينا... نريد أن نغزو ليس كما كان في السابق. نريد أن ندخل وندمر كل شيء في طريقنا؛ ندمر المنازل وكل شيء آخر. بكل القوة، إبادة كاملة وغزو وتدمير».


«كما ترون، سوف نشهد شيئًا لم نحلم به أبدًا. دعوهم يلقون القنابل عليهم ويمسحوهم من على وجه الأرض. كل النبوءات التي أرسلها الأنبياء توشك أن تتحقق».

 

وفي لقاء تلفزيوني مع شبكة «سكاي نيوز» البريطانية في تشرين الأول (أكتوبر) سُئل دان غيلرمان، مندوب الكيان الصهيوني السابق في الأمم المتحدة، عن آلاف المدنيين المدنيين الذين قتلتهم حكومته وجلهم من الأطفال والنساء والمسنين.

 

وقال غيلرمان: «إنني مندهش من القلق المستمر الذي يظهره العالم، وكذلك المملكة المتحدة، تجاه الشعب الفلسطيني. في الواقع، هذه الحيوانات الفظيعة والمجردة من الإنسانية، ارتكبت أسوأ الفظائع التي شهدها عصرنا وأسوأ الفظائع التي عانى منها اليهود منذ المحرقة».


هذه هي العقيدة التي ترشد كل أنواع الحكومات –من اليمين واليسار والوسط- التي حكمت المستعمرة الصهيونية في فلسطين المحتلة. وهذه هي الأصول العقائدية للمفردات التي سمعنا القادة الصهاينة يكررونها في رد فعلهم المسعور على عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر). لم يكن العثور على المفردات للتعبير عن الكراهية تجاه الفلسطينيين صعبًا، لأنها في الحقيقة «آيات» مسطورة في مواد التلقين العقائدي لكل سكان المستعمرة. وكان مبعث الحقد الذي أخرج هؤلاء عن أطوارهم وأطلق شياطينهم هو أن عمل المقاومة عبث مع التفوقية العنصرية العقائدية التي رأوها مُعطى لا يخالطه الشك: كيف يمكن أن تتمكن «حيوانات» (ماشية، غوييم) أن تتغلب اليهود، الأعلى من البشر، الذين اختارهم الله؟ (فكرة عوفيديا يوسف عن «الحمير») 


هذا هو نوع الإيمان الذي يجعل جنود الكيان يمارسون قتل الفلسطينيين بمتعة وبسهولة شرب الماء. إنه في الحقيقة أداء طقوسي لواجب إيماني يبعث على النشوة -نوع الرضا الذي يغمر المؤمن حين يؤدي فريضة دينية.


«حيوانات مجردة من الإنسانية» مسؤول إسرائيلي يستغرب اهتمام العالم بالفلسطينيين (ultrasawt.com)

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا