الجريمة الأممية في حق فلسطين، 1949..!

علاء الدين أبو زينة- في مثل هذا اليوم قبل 74 عامًا، في الحادي عشر من أيار (مايو) 1949، قبلت الأمم المتحدة عضوية ما تُسمى «إسرائيل» كدولة طبيعية. وعنى ذلك حكم الهيئة الدولية الظالمة على الشعب الفلسطيني بالشطب من قائمة الأمم، ومصادرة حقه في التحرر من الاستعمار والاستقلال كدولة – ولو بحدود استعمارية- مثل باقي دول المنطقة. وما تزال فصول هذه الجريمة البشعة، التي بدأتها وتشرف على استمرارها الأمم المتحدة، تتكشف كل دقيقة، وضحاياها أجيال من الشعب الفلسطيني المحتل والمشرد، وآلاف الشهداء العرب والأمميين، ومقادير لا تُحصى من الأضرار التي تلحق باستقرار المنطقة وأمنها. وقبل ذلك، كان قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 181، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي يسلم بموجبه الاستعمار البريطاني 57.7 في المائة من فلسطين التاريخية لمهاجرين غرباء لم تتجاوز نسبتهم 37 في المائة من السكان، مع تمييزهم بالمناطق الأكثر خصبًا وحيوية. ولم يكن معظم هؤلاء المهاجرين قد ولدوا في فلسطين، ولا ترعرعوا فيها، ولا حدثوا بلسان أهلها، ولا يملكون وثائق ملكية تؤهلهم لامتلاك فلسطين. كان قرار التقسيم جريمة أممية أخرى في حد ذاته، فحسب قوانين الاحتلال الدولية التي لخصتها «اتفاقيات جنيف»، «لا يجوز للأشخاص المحميّين أنفسهم التنازل عن حقوقهم (المادة 8 من الاتفاقية الرابعة). وبحسب القوانين والتشريعات المتعارف عليها عالميًا، يجب بعد انتهاء الانتداب إعادة تسليم البلاد إلى أصحابها الحقيقيين». وكانت فلسطين في تلك الفترة منطقة عربية تحت الانتداب البريطاني منذ 1923 وحتى 1948، وكان ينبغي تسليمها لأصحابها حسب القانون. لكن المستعمر البريطاني قرر، بمنطق القوة والاستبداد وحده، تسليم فلسطين للصهاينة الأجانب. ثم كان قبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة كدولة عاملة وطبيعية إقرارًا بتسليمه كل فلسطين التاريخية – ما عدا الضفة الغربية وغزة اللتين لا تزيد مساحتهما مجتمعتين على 23 في المائة من فلسطين. وهو في الحقيقة أغرب نشوء لـ»دولة» على أسس الاستعمار والتطهير العرقي الواضحين. وعندما احتل الكيان باقي فلسطين وأراضي عربية في العام، لم يغير ذلك الاعتراف به كدولة شرعية، وكأن انتهاكًا من أي نوع لم يحدث للقوانين والأخلاق والعدالة. في المقابل، على الرغم من اعتراف القانون الدولي بحق الفلسطينيين في النضال والتحرر والاستقلال في الأراضي التي احتلت في 1967 على الأقل كأراض محتلة، واتفاقيات أوسلو التي تنص على مثل ذلك، رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين المختزلة بشدة كدولة عاملة، ولم تعترف بإعلان الاستقلال الفلسطيني الصادر في العام 1988 –على الرغم من أحقيته التي لا تقارَن بأي حال بإعلان «استقلال إسرائيل» الذي اعترفت به الهيئة الأممية بشروطه غير الإنسانية. لا عدد للعيوب والمخالفات الأخلاقية والقانونية التي ترتكبها هذه الهيئة التي يفترض أن تمثل العالم وتصون الحقوق. وباعتبارها هيئة التمثيل التي تعترف بها وتنتمي إليها كافة الدول، فإن قراراتها التي تنطوي على الظلم والنفاق وازدواجية المعايير هي وصمة عار على جبين العالم الذي تمثله. وكما تبين تاريخيًا، فإن «الأمم المتحدة» هي شركة أو وكالة تملكها الدول القوية وتستخدمها لخدمة مصالحها وشرعنة سرقاتها، بينما البقية موظفون لا يملكون قرارًا ولا تأثيرًا. وعندما يراجع الفلسطينيون قرارات التقسيم، واختزال فلسطين إلى مناطق 1967، وقبول الكيان كـ»دولة» مشروعة عاملة والتستر على جرائمه، وعدم فعل أي شيء حتى لتنفيذ القرارات التي وأعطت حدًا أدنى للفلسطينيين، على إجحافها البائن، فإنهم يتذوقون مرارة الظلم وألم العجز، وقسوة جعلهم أكبر تجسيد للقاعدة البشعة: «الحق هو القوة». يتساءل المرء عن الأسباب التي تدفع الجنوب العالمي، الضحية الدائمة لتوزيعات القوة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، إلى مواصلة الانتماء إلى هذه الهيئة والاعتراف بها. إنها لا تحميه من الغزو والاستغلال، ولا من الفقر والهشاشة ومصادرة حصته من خشاش الأرض، ولا تحفظ له حقًا في أي قضية يكون طرفها الآخر عضوًا في مؤسسة المركزالاستعماري. وهي ليست أكثر من إطار لشرعنة عدوانية الدول القوية والمصادقة على مغامراتها. وبالنسبة للعرب – ناهيك عن الفلسطينيين- لم تكف الأمم المتحدة عن إحباط قضاياهم وازدراء رؤاهم وتخييب آمالهم. ولم تكن أصواتهم في أي يوم مؤثرة بحيث تقوّم اعوجاجًا أو تجلب حقًا. وعلى ما قد يبدو عليه ذلك من «تطرف» ظاهرية، فإن ثمة كل مسوغ لانسحاب العرب من هذه الهيئة وتسجيل سابقة ينبغي أن تكون مكاسبها أكثر من خسائرها. ولا خطأ في البدء بالمطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين كشرط لإثبات مصداقيتها وحسن نواياها والتكفير عن جرائمها. ولمَ لا؟ ثمة خطوات مشابهة تتخذها دول مثل الولايات المتحدة، التي لم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا المحكمة الجنائية الدولية، ولا قانون البحار والكثير من المواثيق التي تصادق عليها معظم الأمم. لكن العرب ينكرون على أنفسهم الحق في اتخاذ مثل هذه المواقف اللائقة بالنفوس الكريمة. كما هو واقع الحال، ينبغي أن يستذكر الفلسطينيون عمل الأمم المتحدة في مثل هذا اليوم للتأكيد على أن شيئًا لن يفيدهم سوى مواصلة نضالهم وصمودهم كحق مقدس وطريق وحيد إلى الحياة. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان

أي إصلاح بلا حرية الصحافة..؟!