الحاجة الملحة لمعالجة أزمة ارتفاع الدين العالمية

يواجه الاقتصاد العالمي تحديا كبيرا مع استمرار تصاعد ارتفاع الدين العام العالمي؛ فهذا الدين في حالة نمو متسارع، إذ وصل إلى 305 تريليونات دولار، بزيادة تقارب 8 تريليونات خلال الربع الأول من العام الحالي فقط، وتجاوز 300 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذا التحدي يضع الاقتصاد العالمي على أبواب أزمة جديدة لا يعرف أحد مدياتها.اضافة اعلان
تركُ موضوع الدين العام العالمي دون حل، قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية حادة من شأنها أن يتردد صداها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان المتقدمة. وسيظهر التأثير السلبي من خلال تراجع معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض حاد في مستويات المعيشة للغالبية الكبيرة من سكان العالم، وبخاصة في الدول الفقيرة الذين يعانون كثيرا جراء تفاقم التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية والفقر.
هذا الارتفاع الخطير دفع الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، للتحذير الجدي من المخاطر المحتملة التي يمثلها ذلك على جميع الدول، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي.
المتتبع لتطور الاقتصاد العالمي يدرك أن الارتفاعات المتتالية لمستويات الدين العالمي وتركز أعبائه على الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل هو نتيجة حتمية لطبيعة الاقتصاد العالمي الذي يتسم بغياب العدالة، حيث هيمنة الأدوار الكبيرة للشركات الكبيرة متعددة الجنسية في رسم ملامحه، والنفوذ الكبير للمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي يلعب دورا مفصليا في رسم علاقات القوة في هذا الاقتصاد، ويتركز جهده في تمكين الدول المدينة من تسديد التزاماتها للدائنين، بغض النظر عن نتائج السياسات المالية التقشفية التي يفرض تطبيقها على المستويات المعيشية للناس للوفاء بالتزاماتها، وعلى قدرتهم على التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
بقاء مسألة الديون على حالها من دون حلول دولية جذرية، ستكون له تداعيات كبيرة لن تقتصر على الدول الفقيرة فقط، وسيدفع الجميع الثمن، وإن بدرجات متفاوتة. حتى الدول الغنية ستعاني من عواقب انفجار أزمة الديون عالميا؛ حيث ستقوض المستويات المرتفعة للدين العام الاستقرار الاقتصادي العالمي ككل، ما يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وتباطؤ عام في النشاط الاقتصادي. ونتيجة لذلك، ستشهد البلدان المتقدمة انخفاضا في معدلات نموها الاقتصادي وستكافح للحفاظ على مستويات المعيشة الحالية لمواطنيها.
من جانب آخر، يقع عبء أزمة الديون بشكل غير متناسب على عاتق الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل ومواطنيها، التي تكافح في الوقت الراهن مع محدودية مواردها وغياب الحوكمة عن إداراتها السياسية والاقتصادية، وتفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية فيها، فستواجه وضعا أكثر خطورة؛ حيث تصبح التزامات الديون غير قابلة للوفاء بشكل متزايد. وبالمجمل ستؤدي أزمة الديون إلى تفاقم عدم المساواة وتديم حلقة الفقر، وستعوق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبالنظر إلى العواقب الوخيمة لأزمة الديون العالمية، وللتخفيف من تأثيراتها وبخاصة على الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والمثقلة منها بالديون، يمكن اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة هذه المسألة. أحد الحلول الممكنة هو تخفيض أو إلغاء الديون (الحكومية منها). كذلك يمكن تقديم تسهيلات مالية من الدول الغنية والمؤسسات المالية الدولية، لدعم النمو الاقتصادي الشمولي، والحمايات الاجتماعية، وتطوير البنى التحتية، إلى جانب استبدال الديون بالاستثمارات.
كذلك يمكن توزيع دفعة جديدة من حقوق السحب الخاصة، من قبل صندوق النقد الدولي، بإعادة تخصيصها للبلدان المثقلة بالديون، بخلاف ما جرى قبل عامين جراء جائحة كورونا، عندما حصلت الدول الغنية على نصيب الأسد من التوزيعات، بينما حصلت الدول الفقيرة والأكثر حاجة على الحصة الأقل.
مرة أخرى، تمثل الأزمة المتصاعدة للديون العامة المرتفعة تهديدا خطيرا للاقتصاد العالمي، وتؤثر على الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. ولن ينجو من تبعاتها أحد، لذلك فهي تحتاج حلولا سريعة، لتفادي حدوث كارثة إنسانية كبيرة تهدد مليارات البشر، بسبب التراجع الملموس في تمتعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ويدفع مئات الملايين منهم إلى حد الجوع.