المعايير المزدوجة: قصف المستشفيات والمناطق السكنية وجرائم الإبادة

مذبحة المستشفى المعمداني في غزة هي جريمة حرب واضحة الأركان وتتطلب إدانة ومحاسبة لا لبس فيها من المجتمع الدولي والعربي. قصف المستشفيات بشكل متعمد لا يؤدي فقط إلى فقدان الأرواح البريئة بل يُعطِّل أيضاً قدرة المجتمع المتضرر من الاحتلال وجرائمه على الوصول إلى الرعاية الطبية الحرجة في الأزمات والمخاطر. 

اضافة اعلان


هذا الهجوم مدروس بعناية من قبل المُحتل لرفع المعاناة لأعلى درجاتها وزيادة معدلات الوفيات بين المدنيين في قطاع غزة، ولتشييء الفلسطيني ونضاله ليرتبط بالموت والجثث الهامدة والدمار. كل ذلك في سبيل إضعاف إرادة فلسطين- وإرادة كل من يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه- من المقاومة والبقاء في وجه الاحتلال.


استهداف المستشفيات والمناطق السكنية للمدنيين يلطخ الضمير العالمي الإنساني والضمير الجماعي بالدماء، مكرِّرًا لنا بشكل صارخ عمق القسوة البشرية والتوحش الاستعماري. هذا يتطلب سرعة الاستجابة العالمية وتوحيد صفها وموقفها وإرادتها للوقوف على هذه الجرائم  لما هي عليه  من جرائم إبادة ومحاسبتها.  بهذا نخطو خطوة نحو العدالة، نتجه نحو ضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى، ونتجه نحو الحفاظ على قداسة الحياة الإنسانية والكرامة في الوجود، حتى في أظلم الأوقات.


المناطق السكنية هي قلب أي مجتمع، حيث تعيش العائلات، ويلعب الأطفال، ويبحث الناس عن ملجأ آمن. عندما تتعرض هذه المناطق لحملات القصف المستمرة، يتم تحطيم جوهر قيمة الحياة. تتمزق الأسر، وتتحول المنازل إلى أنقاض، والصدمة النفسية التي يتعرض لها الناجون تترك جروحاً تدوم أجيالاً.


تترك هذه الهجمات صورًا لا تُمحى من ذاكرة الناجين وتسبب مستوىً من الصدمة يصعُب قياسه. ويتوجب عليهم التعايش مع الألم المُزمن والصدمة المركبة لمشاهدة منازلهم ومجتمعاتهم وهي تتحول إلى أنقاض. تترك هذه التجارب آثاراً لا تقتصر على الحاضر وإنما تُستدام عبر الأجيال، مما تخلّف وراءها إرثًا من الألم والمعاناة الدائمة يمتد بعيدًا إلى ما بعد النزاع الفوري.  


كل هذا وأكثر لم ينل من الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت أسوأ أشكال الاستعمار. واستطاع أيضا أن يُبقي حب الحياة والبقاء والصمود وحتى الأمل 
كأداة للمقاومة والانتصار.


من جانب آخر، يرى العديد من الأردنيين الصمت المستمر للمجتمعات الدولية في وجه الهجمات المستمرة للماكنة الاحتلالية "إسرائيل" على غزة تواطؤاً  في الإبادة والمسح الثقافي الذي يجري أمام أعيننا. ويؤدي هذا الصمت الى تفاقم حجم المعاناة وجرائم المُحتل على المدنييّن في قطاع غزة وفقدان المزيد من الأرواح.


بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور سائد بالإحباط تجاه الحكومات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. يراها العديد وكأنها تحمل وزر معايير مزدوجة ونفاقًا غير مسبوق.

 

هذا الشعور متأصل بعمق في التناقض الواضح بين دعواتهم لحقوق الانسان  والواقع الوحشي المعيش في قطاع غزة. يتصارع العالم العربي مع منظر محزن للأطفال الذين يتعرضون للموت واليُتم وللأذى بلا سبب، بينما تدعو هذه المنظمات نفسها لحقوق الأطفال داخل حدود العالم العربي. إن الفارق الواضح في الاهتمام والعمل تجاه أطفال فلسطين وغزة لا يفعل شيئاً سوى تكبيد هذا الشعور بالإحباط وترسيخ التناقض في الموقف الدولي تجاه قضية احتلال الأراضي الفلسطينية.

 

بالمثل، حيث تدعم هذه المنظمات حقوق المرأة، يشهد الناس حالات مأساوية حيث تعاني النساء الفلسطينيات ونساء غزة، ويفقدن عائلاتهن، ومنازلهن ويخسرن حياتهن وتُبتر أطرافهن. يبدو أن تمكين الشباب، وهو نقطة اهتمام أخرى في الوقت الراهن لهذه المنظمات، لا يجدي نفعًا عندما تمطر الصواريخ، محطمةً وعدًا قائمًا على مستقبل أفضل للشباب ومُختطفة حياتهم وفرصهم وعائلاتهم وحلمهم. إن هذا التناقض الواضح بين الخطاب والواقع يشعل الشك المتزايد ويدعو إلى نهج أكثر اتساقًا ومساءلة لحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.


فمن الضروري أن تتصدى المجتمعات الدولية لهذا التناقض الواضح وتبرّئ ساحاتها من الشكوك وأن تقف متحدة في إدانة هذه الجرائم. 


حماية مبادئنا وقيمنا الإنسانية في كل أنحاء العالم من التواطؤ في ارتكاب الجرائم الإنسانية أو الصمت عن الظلم الجسيم يجب أن تكون بوصلة ثابتة لا تُخصخص ولا تُجزأ. التوافق العالمي حول أخلاقياتنا وقيمنا الإنسانية معًا في كوكب الأرض والتمسُّك بكل الاتفاقيات التي تُحافظ على هذا العقد الانساني العالمي وتجمعنا حوله أصبح مطلبًا لاستدامة الحياة على هذا الكوكب. الكيل بمكيالين في السياسات الدولية حول شرعنة الاحتلال من جانب وقوننة الاستقواء والهيمنة تحت مظلات حقوق الانسان والديمقراطية من جانب آخر  لن يُمكننا من الاتجاه نحو إنهاء هذا الفصل المحزن من التاريخ الاستعماري والامبريالي في التاريخ الانساني. 
الاحتلال جريمة ستُحاسب وانتهاك لا بد أن يزول.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا