النخب تعيد تموضعها والنواب يستعدون للتسخين في دورتهم الأخيرة

الإحساس العام السائد في الأوساط السياسية والبرلمانية يؤشر على أن التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة على حكومته كان عاديا. وأنه لا يستحق ذلك الضجيج الذي أثير حول مجرياته بدءا من طرح الفكرة وانتهاء بمجرياتها بما في ذلك التمسك بفصل السلطات وعدم توزير النواب. 

اضافة اعلان


فالتعديل لم يكن الأول على الحكومة، وقد لا يكون الأخير، في ضوء عمليات المراجعة الشاملة التي تجري على المستوى الحكومي، والقناعة بأن حكومة الخصاونة عابرة إلى الانتخابات المقبلة، وقد تستمر إلى ما بعدها، وما يمكن أن تتخلل المرحلة المقبلة من مستجدات تفرضها المرحلة. 


وكان التعديل بمثابة استجابة لمتطلبات واقعية أبرزها إعادة فصل بعض الوزارات التي دمجت تنفيذا لمقترحات تبين عدم انسجامها مع الواقع ومعطيات التطوير والتحديث السياسي والإداري والاقتصادي. 


غير أن التعديل فتح نافذة التسخين السياسي، بدءا من حالات إعادة التموضع لبعض النخب السياسية وانتهاء بمجريات التحضير للانتخابات النيابية التي ستجري بعد أقل من عام سواء على مستوى الأحزاب، أو على صعيد النواب الذين بدأوا حملاتهم الانتخابية مبكرا. 


فالدورة البرلمانية التي ستبدأ بعد أيام، والتي يتوقع أن تكون ساخنة أصلا بحكم أنها الدورة الأخيرة من عمر المجلس، وفيها يعود النواب إلى قواعدهم الانتخابية أملا بتجديد الثقة بهم في الانتخابات التي ستجري ـ على الأرجح ـ في الربع الأخير من العام المقبل. 


فالإحساس بات مشتركا وعلى كافة الصعد بأن الغالبية العظمى من النواب قد ابتعدوا عن قواعدهم تحت تأثير ما وصف بـ “سياسة الاحتواء”، وشعار “الشراكة” التي انعكست على مستوى الأداء النيابي وتراجع الدور الخدمي للنواب. ورفع من منسوب الإحساس لدى البعض منهم بأن العودة إلى القبة البرلمانية تبدو صعبة، وأن حلم الحقيبة الوزارية لمن “استداروا” من المعارضة إلى الموالاة، أو انحازوا للحكومة ومشاريعها على مدى ما مضى من عمر المجلس قد تخرجهم من ورطة مواجهة قواعدهم وتعينهم على حفظ ماء الوجه. 


ساعد في تلك الحالة الرغبة التي أبداها الرئيس في توزير عدد محدود من النواب بعد تقديم استقالاتهم، ما أثار حفيظة نواب آخرين يعتقدون أنهم أحق في مسألة التوزير، وأنهم قادرون على تفعيل الوزارات التي سيشغلونها بما يرفع من منسوب الرضى العام عن الحكومة. 


فالتسخين النيابي المنتظر قد يأتي على شكل مواجهات سياسية مع الحكومة، وتصويت مضاد لمشاريعها، ومطالب يصعب تنفيذها، وخطابات قد تكون موجهة إلى الشارع أكثر من توجيهها إلى الحكومة في محاولات لإرضاء القواعد الانتخابية في الوقت الضائع. بينما سيلوذ بعض الذين اقتنعوا بغياب فرصتهم بالعودة ثانية كنواب بالصمت ويمتنعون عن خوض الانتخابات. 


ويبدو أن الحالة قد امتدت إلى المجال الحزبي خارج البرلمان، حيث تشير المعلومات إلى أن بعض الحزبيين تم توزيرهم باتفاقات شخصية ودون علم أحزابهم، الأمر الذي خلق حالة من التوتر داخل تلك الأحزاب على مختلف المستويات، ومنها الحزبيون الذين يحسون بأنهم أحق من غيرهم بالتوزير، ثم القيادات الحزبية التي أبدت غضبها من الأعضاء الذين لم يعودوا إلى مرجعياتهم لأخذ الموافقة على التوزير. عدا عن أن من تم توزيرهم وافقوا على الدخول في الحكومة دون العودة إلى برنامجها وقبل التأكد من مطابقته للبرنامج الحزبي الذي تحزّب وفقا له. 


وفي مسار آخر، اتسعت دائرة المعارضة للحكومة بسبب دخولها مجال التوزير الحزبي بصورة فردية وبعيدا عن رأي المؤسسات الحزبية التي ترى أن العملية بمجملها تكشف عن مدى جدية الحكومة في احترام الأحزاب والبناء على الحياة الحزبية في مجال الإصلاح السياسي. 


بالطبع، هناك الكثير الذي يمكن أن يقال في التوقعات حول الدورة البرلمانية المقبلة بشكل جزئي، وعن الواقع السياسي الأردني بشكل عام. فالانتخابات المقبلة هي أول انتخابات تجري وفقا للقانون الجديد الذي يحمل عنوان الإصلاح السياسي، وهو الأول الذي يفرد حصة من المقاعد للأحزاب السياسية، في وقت تؤشر الكثير من الممارسات على عدم جاهزية الحكومة ولا الأحزاب للتعامل مع هذا الاستحقاق بما يسهم في العملية الإصلاحية. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا