تعليم بدون إنجليزي أو علوم أو رياضيات و "كافر السبت"

أقرت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، ومعه اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف، خصوصاً بتسلائيل سموتريش، وإيتمار بن غفير، ميزانية غير مسبوقة في حجمها لمدارس اليهود الأرثوذكس المتطرفون، (الأصوليون) أو من يعرفون باسم “الحرديم”. وهذه المدارس تمنع تعليم اللغة الإنجليزية، والعلوم والرياضيات، وتركز على التعليم الشرعي الديني. وتتفوق هذه الميزانية كما يقول مراقبون، مثل الكاتب الأميركي توماس فريدمان، عن ميزانية التعليم العالي في إسرائيل، أو ما يعادل تمويل 14 سنة تمنح لمعهد “التخنيون” الإسرائيلي الشهير، الذي يعد معهد إنتاج التكنولوجيا والاختراعات في إسرائيل.

اضافة اعلان


في نهاية عام 2022، نقلت مجلة “الإيكونوميست” عن حاييم شاكيد، رئيس منتدى إسرائيل لمعلمي الكُليّات، أنّ هناك أسطورتين الأولى هي أنّ اليهود يهتمون جدّاً بالتعليم، والأسطورة الثانية أنّ نجاح شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، تثبت تفوق النظام التعليمي الإسرائيلي. ويوضّح شاكيد، أنّ حرص اليهود على التعليم يمكن أن يكون صحيحاً عندما كانوا فيما يسميه “الشتات”، (أي عندما كانوا أقليات موزعة حول العالم)، وبالنسبة لشركات التكنولوجيا، فهو يصفها بأنّها “جزر ]نجاح[ محاطة بنظام فاشل”.


عندما كتب المستشرق الأميركي برنارد لويس (1916 - 2018)، كتابه “ما الخطأ الذي حدث؟”، ويقصد ما الخطأ الذي جعل المسلمين يصبحون مـتأخرين عن أوروبا، فإنّه ذهب إلى أنّ الغرب نشط في الترجمة من الشرق ونقل علومه وأضاف لها. وعندما بدأ الغرب ينتج علومه الخاصة انتبه الشرق (العثماني والعربي) للأمر متأخراً، وعندما بدأ الشرق يأخذ من الغرب ركّز على الشكل (الملابس) والسلاح وبعض الأنظمة الإدارية والسياسية. 


لو طبقنا مقولة لويس على ما يحدث في إسرائيل، فنحن نتحدث عن حالة انغلاق تدريجي. فبحسب التحليلات الديموغرافية، يتضاعف عدد اليهود الحرديم، كل 25 عام في إسرائيل، وفي حال استمر الاتجاه الحالي، فإن نصف الإسرائيليين عام 2050 سيكون حريديم، لا يعرفون لغة أجنبية، ولم يدرسوا الرياضيات والعلوم، ويؤمنون بمبدأ الحاكميّة التي ترفض فكرة الديمقراطية أو الفصل بين السلطات.

فالتعديلات القانونية، التي تريد الحكومة الحالية إقرارها، لتخفيف دور السلطة القضائية، لا تبتعد كثيراً، خاصة في فكر سموتريش، الذي يجري ضخ إمكانيات كبيرة من اليمين الصهيوني المتدين لتعزيز قوته، عن فكرة أنّ أولي الأمر يجب أن يحكموا بالشريعة التوراتية، وأنّ النظام الديمقراطي كافر وعلماني لا يجوز الخضوع له. 


في روايته الجميلة، “كافر سبت” يتحدث عارف الحسيني عن فكرة حرمة يوم السبت عند اليهود، حيث لا يسمح لهم شرعاً العمل، أو حتى القيام بنشاطات مثل تشغيل الكهرباء إذا انطفأ الضوء، أو جهاز التكييف، لذلك يتم الاستعانة بغير اليهود (الكُفّار أو الغوييم) بحسب هذا المنطق، ليقوموا بهذه المهام، ويجب أن يقوموا فيها دون طلب مباشر، فمثلا اذا قال المتدين أنّ الدنيا حر، يجب أن يعرف هذا “الغوييم” أن عليه تشغيل التكييف. 


في دوائر التكنولوجيا الإسرائيلية مشاريع كثيرة، يسعون لتنفيذها على الأرض، لتوظيف شباب فلسطينيين في هذا القطاع، بما في ذلك من قطاع غزة، وذلك لسببين الأول أن اجورهم أقل، والثاني لسد النقص في السوق الإسرائيلي، بل كان هناك مشاريع لبناء شركات في المستوطنات لجذب هؤلاء المهندسين الفلسطينيين. (أنظر  Haaretz  5  تموز\ يوليو 2018، وموقع Globes 11 تشرين ثان\ نوفمبر 2021)، ويمكن وفق المنطق الحريدي إضافة عامل ثالث أنّ غير اليهود هم من يسمح لهم دراسة الرياضيات والعلوم. 


هذا الواقع يثير عدة أسئلة، هل يستمر الإسرائيليون على هذا الدرب، ويحدث ما شخّصه لويس من تخلف ناجم عن ترك العلوم؟ أم سيحدث تغيير في سياسات إسرائيل ومجتمعها ويتراجعون عن الأصولية الحريدية، نحو تيار سياسي مختلف؟ أم سيغير الحريديون موقفهم بعد أن يتمكنوا من النظام السياسي، ويتصالحوا مع العلم؟ وهل يعني الأمر أن العربي والفلسطيني يتقدم للأمام علمياً، مقابل تجمد الإسرائيلي؟ وهل سيصبح العربي عاملاً لدى دولة الحريديم كما يريد الحريديم وقادة قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي (وبعضهم معاد للآخر)؟ أم ستحدث فجوة علمية لصالح العرب ترتد ضد الإسرائيليين؟ هل هذه إسرائيل التي يرعاها العالم؟ ويصفها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا