جنين.. وأسئلة "وحدة الساحات"

اعترف الجيش الإسرائيلي، كما نقلت الصحافة الإسرائيلية، أنّه واجه في جنين يوم أمس، الاثنين، أثناء العمل على الدخول لمخيم جنين، مقاومة غير متوقعة على ثلاث صعد. الأول حجم النيران التي واجهها من المخيم، ثانيها، وجود تطور في مستوى العبوات الناسفة التي واجهها الجيش، خصوصاً تلك التي أصابت مركبة عسكرية، تسمى “النمر” دخلت حديثاً للخدمة، ثالثاً، اشتباه الجيش الإسرائيلي أن المقاومين الفلسطينيين، نصبوا كمينا، أي كان لديهم توقع أو معلومات سبقت حركة الجيش الإسرائيلي، أو قدرة عالية على الاستباق. وكل هذه الأمور أدت بالمصادر الإسرائيلية للحديث عن “فجوة استخباراتية”. هذه التطورات الميدانية، تطرح عدة أسئلة او استنتاجات. 

اضافة اعلان


أولها، أنّ القمم الأمنية والسياسية التي شهدتها المنطقة، خصوصاً العقبة (نهاية شباط \ فبراير)، وشرم الشيخ (آذار \ مارس)، وغيرها لم تؤد لنتائج فعلية سياسية على الأرض، والسبب واضح، هو عدم جدّية الجانب الإسرائيلي؛ الاستيطان يمضي بأسرع ما يمكنه، ويتم تسهيل إجراءات اتخاذ قرار بناء مستوطنات جديدة، والحل الأمني القائم على القتل والاعتقال والهدم، هو الذي تتبناه إسرائيل، وليس وارداً البدء بعملية سياسية جديدة، ولا يوجد قرار أميركي أو قوة دولية ضاغطة لأجل ذلك.


ثانياً، تربك تطورات أمس الميدانية في جنين الحسابات الإسرائيلية، التي سرّبت على مدى أيام أنباء عن حملة واسعة متوقعة في شمال الضفة الغربية للقضاء بشكل واسع على ظاهرة المجموعات المسلحة الجديدة التي انتشرت وتطورت في العامين الماضيين، واخذت شكل كتائب ومجموعات منظمة، بأسماء جديدة، ولكن من المستبعد أن توقف هذه التطورات المخططات الإسرائيلية، خصوصاً، مع ضعف العملية السياسية، وضعف ردود الفعل العربية والدولية والفلسطينية الرسمية، وحتى الفصائلية. 


ثالثاً، يتم ترك الشباب في نابلس وجنين، وحدهم تقريباً، وتم إضعاف مجموعات نابلس باغتيالات كبيرة، واستهداف متواصلين، وأدت المواجهة بين حركة الجهاد الإسلامي، من قطاع غزة والجانب الإسرائيلي، في شهر (آيار\ مايو)، لإضعاف كبير لمقولة وحدة الساحات، بمعنى أنّ توقع أن تؤدي المواجهة في مكان ما في فلسطين، إلى مواجهات شاملة في المناطق الأخرى، وعبر الحدود، خصوصاً من جنوب لبنان تراجعت، فاحتمالات سيناريو دخول غزة المواجهة مجدداً بسبب ما قد يحدث في جنين تبدو أقل. 


في الواقع أنّ ما يحدث في فلسطين، يؤكد أنّ استمرار المقاومة هو الحدث الاستراتيجي الذي سيستمر طالما هناك احتلال واستيطان، وعدوان إسرائيلي، وهذا قرار شعبي، وبالتالي فإنّ القضاء أو إضعاف مجموعة ما، هو أمر مؤقت، ستعود المقاومة بعده للتجدد بشكل أو آخر، وهذا الأمر يحاول الإسرائيليون والمجتمع الدولي إنكاره وعدم الاعتراف به. في الوقت ذاته ما يحدث دليلٌ على خطورة عدم وجود قيادة مركزية للنضال الفلسطيني. 


في الماضي، وحتى الآن، كانت هناك نظرية أو وجهة نظر أنّه من الخطأ أن تكون هناك قيادة مركزية، للمقاومة، وان الأفضل أن تكون هناك قيادات أو مبادرات محلّية لأنّ هذا يعني صعوبة استهداف المقاومة وقيادتها ورأسها ميدانياً، وأحد الأشخاص الذي كان يتبنى وجهة النظر هذه بدرجة أو أخرى الشهيد باسل الأعرج، والذي كان يخشى حتى أن تخرج مسيرات كبرى مركزية في الضفة الغربية، ويفضل كثرة المبادرات الشعبية.


في المقابل فإنّ هناك توقا شديدا عند قطاعات واسعة من الجمهور، لمقولات مثل “تعدد الجبهات”، و”وحدة الساحات” بتخيل أو توقع أو تمني أن تواجه إسرائيل عدّة جبهات في وقت واحد، وهذا أمر تتحسب له إسرائيل أيضاً وتحاول أن تكون جاهزة له. لكن ما حدث في غزة الشهر الفائت، وما يحدث في جنين يؤكد عدم وجود مثل هذه الوحدة أو التعدد، حتى الآن، إلا في إطار التضامن الشعبي.


إنّ أصعب مهمة يواجهها المقاومون الفلسطينيون، هو الانفصال بين المستوى الميداني والسياسي، وانّه لا يوجد فصيل أو قوة سياسية راغبة أو قادرة على تنسيق الفعل الفلسطيني. 


لا يمكن لوم المقاومون الميدانيون على هذا الواقع، فهم يقومون بواجبهم بما يفوق المتوقع، في المقابل فإنّ افتقار الفصائل والقيادة السياسية لاستراتيجية عمل وطني موحدة واضحة، والافتقار للقدرة على تحقيق إسناد سياسي، وقانوني، وميداني، أو تنسيق رد فعل ميداني وشعبي، هو نقطة الضعف الكبرى الحالية.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا