حاصل الفرق

وبينما أنا في الأردن، فإن تفاصيل حياتي ومعاشي ما تزال مستمرة في بلجيكا حيث أسرتي وبيتي. وعليه، فالأخبار البلجيكية المحلية هي أول ما أتابعه صباحا، وهي على خاصية التنبيهات للأخبار العاجلة دوما.

اضافة اعلان


مثلا، أقرأ خبرا لافتا قبل أيام مفاده بأن نائبا من التيار الاجتماعي في البرلمان هاجم أحزاب التيار الاجتماعي-الاشتراكي والتيار الليبرالي، بل وقام بتحميلها مسؤولية الوفيات على الطرق العامة وحوادث السير لأنهما يعطلان ملفا اسمه "نقاط رخصة القيادة"، وهو مشروع، في حال تطبيقه حسب "المعهد البلجيكي للسلامة على الطرق" -وهو مؤسسة مجتمع مدني بالمناسبة- سيمنع وقوع ما بين 50 و150 حالة وفاة وما بين 200 و800 إصابة خطيرة في الأشهر الثمانية عشر الأولى. إضافة إلى ذلك، فإن المدخرات لبلجيكا ستتراوح بين 700 مليون و 2.8 مليار يورو، لا سيما في التكاليف الطبية.


وفي خبر آخر لاحق، أقرأ أن وزير الدولة للرقمنة وحماية الخصوصية، ماتيو ميشيل، يريد بالتعاون مع الخدمات العامة الفيدرالية لتكنولوجيا المعلومات، إطلاق موقع إلكتروني يتيح لكل مواطن بلجيكي أن يعرف من شاهد بياناته ومتى من كل السلطات البلجيكية والمؤسسات الرسمية بلا استثناء، الوزير ميشيل ينتمي لحزب اسمه التيار الإصلاحي، وهذا برنامج مسبق الإعداد لحزبه خاض من خلاله الانتخابات وحصد الأصوات.


دعونا نفكك الخبرين:
أنا في بلجيكا أقود السيارة "وزوجتي كذلك"، لذا نحن معنيان بالخبر الأول، وعلينا كلانا أن نتناقش في تأييد مقترح مشروع "نقاط القيادة"، وهو قانون معمول به في فرنسا، وقد نتفق أنا وزوجتي وجيراني ومن نعرفهم أو نختلف على طروحات النائب والجدل الحزبي في البرلمان، هذا النقاش سيفضي إلى تحرك سياسي تترجمه أصواتنا في الانتخابات بين قبول ورفض، وهو ما يجعل الأحزاب تتنافس على كسب ما يريده الناس ضمن منظومة مصالحهم.


النائب الذي هاجم التيار الذي ينتمي إليه، أثار ضجة لكنه تحدث عن موضوع محدد وواضح يتعلق بتفصيل معيشي يومي، يؤثر على حياة الناس وأموال ضرائبهم (وهي عالية جدا في بلجيكا).


في الخبر الثاني، الوزير الذي نجح في تطبيق وعود حزبه الانتخابية ضمن برنامج انتخابي يتعلق بالشفافية، قدم لي ولكل البلجيك خدمة أرغب بوجودها فعلا، تتيح لي معرفة ماذا تعرف الحكومة بكل سلطاتها عني، ولماذا يعرفون!

 

وفي المقابل، فإن أحزاب اليمين التي أتفق مع كثير من برامجها الاجتماعية والاقتصادية وأختلف مع كثير منها أيضا، قد تخالف رأي وزير الرقمنة حماية للأمن القومي البلجيكي وبأسباب وجيهة كذلك.


مثلا، هنالك خبر في سياق مضاد يتعلق بالبنوك البلجيكية التي قررت إغلاق حسابات البلجيك الذين يغتربون خارج بلجيكا من دون إنذار مسبق، وهذا قرار يدعمه أحزاب اليمين ويفردون مبررات الأمن الاقتصادي فيها، لكن الأحزاب الاشتراكية والاجتماعية وقاعدتها الجماهيرية من عرب شمال أفريقيا ينتقدون قرار البنوك فيتصدى للقرار نواب اشتراكيون بلجيك يقود الحملة فيها نائب بلجيكي اسمه "أحمد لعوج"!!


في كل هذا الحراك الحزبي اليومي هناك، لا يوجد حزب يتحدث خارج سياق تفاصيل حياة الناس ومعاشهم، ومؤسسات المجتمع المدني متخصصة ولا تبيع الحشو الفارغ في قاعات الفنادق.


وقد تطلب ذلك وعيا اجتماعيا وسياسيا كبيرا من الجميع لفهم منظومة الحياة الحزبية والمجتمع المدني.


في الأردن -حيث أنا الآن- أقرأ وأسمع وأشاهد يوميا مخاضا لحياة حزبية مختلفة.. مختلفة تماما (أعرف قلة منهم تحاول بجهد أن تضع برامج حقيقية لكن الموارد قليلة).


وفي مجمل أدبيات الأحزاب الأردنية، لا توجد اختلافات إلا على القيادات الملهمة فيها، والموارد التي تقدمها الحكومات وباقي المانحين- الأشباح.


وسلامتكم..

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا