حتى يكتمل العبور الآمن للأزمة

يحقُّ لرئيس الوزراء عمر الرزاز أن يخرج مستبشرا أول من أمس حيث صرح أننا دخلنا في الأردن «مرحلة التعافي» من وباء كورونا، وهو استبشار تلمسه لدى أغلب الأردنيين وقد بدأت الحياة تعود لمجاريها، حتى لو بحذر وتدرج، بعد أن انحسر الوباء ومرّ بردا وسلاما من الناحية الصحية بحمد الله وبقيت الإصابات والضحايا بهذا الفيروس اللعين بحدودها الدنيا.اضافة اعلان
لكن الاستبشار بالنصر بالمعركة الصحية لا يغطّي على الآثار والأضرار القاسية بباقي جوانب الحرب بمواجهة تداعيات كورونا، اقتصاديا ومعيشيا واجتماعيا، بل إن أوان ظهور وتعمق هذه الآثار قد آن، وبات غبار المعركة المتصاعد يتكشّفُ عمّا ألحقه الوباء والحظر بالمجتمع من انعكاسات لتعطل الأعمال وما ألحقه بطبقات العمال والموظفين من بطالة وانقطاع الدخول أو خفضها وتفاقم الضائقة المعيشية والعجز عن تلبية متطلبات أساسية لدى شرائح واسعة من المجتمع.
لا يمكن إنكار أن الحكومة سعت وحاولت تقديم مقاربات ومعالجات طارئة مفيدة وضرورية على الجبهة الاقتصادية، بل وحتى المعيشية لمساعدة الفئات الأكثر تضررا بتداعيات الحظر وتعطل الأعمال من عمال مياومة وفقراء ومحدودي الدخل عبر صناديقها الاجتماعية والتكافلية، لكن كل ذلك لم يكن كافيا للاشتباك مع كل التداعيات والآثار المعيشية الصعبة للأزمة والتي طالت أغلب الشرائح الاجتماعية.
ثمة حلقة مفقودة في سلسلة قرارات الدفاع والإجراءات الطارئة التي لجأت إليها الحكومة بإدارتها للأزمة، فمقابل تعزيز باب التكافل الوطني من قبيل خفض مداخيل موظفي القطاع العام بوقف الزيادات والعلاوات ومن قبيل تمرير تخفيض الرواتب والأجور بالقطاع الخاص، إضافة إلى ما نتج عن الأزمة من بطالة وتعطل عن العمل للعاملين بالقطاعات غير المنظمة.. مقابل ذلك غابت بعض الإجراءات والقرارات الطارئة التي كانت مطلوبة لخفض الأعباء المعيشية على من طالتهم آثار الأزمة وتحملوا خفض دخولهم ورواتبهم، وبما يحقق أيضا توزيع الحمل وعبء التكافل الاجتماعي على الجميع.
فالمتابع لشكاوى الناس اليوم وبعد بدء تأثير انخفاض الرواتب والدخول أو انقطاعها يلمس حجم الشكوى والمعاناة في توفير إيجارات البيوت والمحال التجارية والورش المختلفة لدى الكثيرين، كما يلحظ وفي ذات السياق الضغط الذي بات يتحمله الكثيرون أيضا لتسديد التزاماتهم وأقساط قروضهم السكنية للبنوك، فيما تبدو المعاناة واضحة أيضا في عدم قدرة الكثيرين على تأمين أقساط المدارس الخاصة والجامعات للأبناء. ناهيك عن العبء الكبير على الأسر بمواجهتها لاستحقاق دفع فواتير النت والكهرباء التي تراكمت على مدى شهرين أو ثلاثة حتى الآن وغيرها من أعباء معيشية ضاغطة.
كان المتوقع والمأمول أن تكمل الحكومة وضمن صلاحياتها بقانون الدفاع حلقة التكافل الاجتماعي والسعي لمعادلة طارئة توزع فيها العبء الاقتصادي قدر الإمكان، وبما يمكن الجميع من عبور هذه المرحلة الصعبة. ما الذي يمنع الحكومة من إصدار قرارات دفاع تفرض بموجبها خفض الإيجارات السكنية والتجارية بنسبة معقولة لعدة أشهر ليتمكن مَنْ خفض دخله أو قطع بالمرة من تحمل الظرف الطارئ الذي وجد نفسه وأسرته فيه؟!
ولماذا لا تفرض الحكومة ترحيلا لأقساط القروض البنكية السكنية لعدة أشهر ودون فوائد حتى يستعيد الناس أنفاسهم؟! وأيضا كان متوقعا أن يكون هناك قرارات باتجاه تخفيض ما تبقى من أقساط المدارس الخاصة التي تستنزف جزءا كبيرا من موازنات مئات آلاف الأسر، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن! وما الضير في أن يتم تخفيض التعرفة الكهربائية على الاستهلاك المنزلي والتجاري، على الأقل لعدة أشهر وحتى تعبر بنا السفينة هذا الظرف الطارئ؟!
الراهن اليوم؛ أن معظم العاملين بالقطاعين العام والخاص وأيضا العاملين بالقطاع غير المنظم قد تحملوا من جانبهم عبء المرحلة الطارئة بانخفاض دخولهم وتقلصها بل وحتى انقطاعها لدى الكثيرين، ولتكتمل حلقة التكافل المجتمعي وتوزيع العبء فإن ثمة خيارات طارئة عديدة أحجمت عنها الحكومة بصورة غير مفهومة وبما لا يساعد في عبور آمن للمرحلة.