حرب المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي

كنت في أحد محلات السوبرماركت في عمّان اشتري حاجات المنزل، وكان لافتا جدا مناقشات الزبائن؛ إن كانت هذه السلعة مقاطعة بسبب ارتباط الشركة، أو الدولة التي تصنع فيها، بتأييد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، وأكثر من ذلك كان بعضهم يتأكد من الترميز «الباركود»، ويفتش آخرون في منتجات صُنعت في بلدان عربية، أو أوروبية ليست معادية لفلسطين، فيظهر لديهم أنها تتبع لشركات عالمية على سجل المقاطعة، لأنها لديها ما يسمى «فرنشايز» أو الامتياز التجاري. 

اضافة اعلان


شعرت بفخر بهذا الوعي المجتمعي الذي يُدرك أن لديه دورا في مقارعة العدو الصهيوني، ومن يدعمونه، ولم أشعر بأي انزعاج لمالكي محلات السوبرماركت الذين يدعمون المقاطعة، ويشجعونها، رغم بعض الأضرار الاقتصادية التي قد تقع عليهم. 


الأردن من دول العالم التي تتصدر حملات المقاطعة، ولا توجد إحصائيات اقتصادية مؤكدة عن حجم الخسائر التي منيت بها العلامات التجارية لسلاسل من المطاعم الشهيرة، ومحلات الألبسة، ومنتجات وسلع، ولكن العين الفاحصة التي ترصد بعض المطاعم تجدها خاوية، وفي بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وبداية المطالبات بالمقاطعة أطلقت هذه المطاعم «الفرنشايز» إعلانات في وسائل الإعلام أنها لا علاقة لها بالشركات الأمّ مالكة العلامة التجارية، وأنها مؤسسات وطنية تشغّل عمالة أردنية، غير أن هذه الحملات الإعلانية التوضيحية لم تجد نفعا، والرد من جمهور المقاطعين أن هناك نسبا من العائدات المالية تُستقطع سنويا مقابل العلامة التجارية. 


حتما هناك آثار سلبية قد تحدث في عنفوان حملات المقاطعة، فقد تجري حملات استغناء عن أعداد كبيرة من العاملين، ولكن الموقف التضامني لإنجاح حملات المقاطعة دفعت العديد من أصحاب المطاعم، والمحلات، والشركات، الإعلان عن فتح الباب لتعيين العاملين، والموظفين والموظفات الذين يتم الاستغناء عنهم، مما يُخفف الضرر، ويحفز على مزيد من الالتزام بحملات المقاطعة. 


«الأردن يقاطع» حملة تنتشر كالنار في الهشيم، وموسى الساكت عضو غرفة صناعة عمّان يؤكد أن كل دينار يدفع لمنتج أردني يذهب 80 قرشا منه لدعم الاقتصاد الوطني، وكل دينار يوجه لشراء سلعة أجنبية فإن 70 بالمائة يذهب لبلد المنشأ، وفقط 30 بالمائة يعود للاقتصاد الوطني. 


في آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية أواخر شهر نوفمبر الماضي، أظهر أن 93 بالمائة من الأردنيين يؤيدون مقاطعة المنتجات التي يتم إنتاجها في دول داعمة للاحتلال الإسرائيلي، ونفس الرقم من المستطلع رأيهم يؤكدون أنهم ملتزمون بالمقاطعة فعليا، وأن 95 بالمائة منهم توجهوا إلى المنتج المحلي كبديل للمنتجات التي تمت مقاطعتها.


ما يحدث في الأردن يتكرر في مصر، وفي العديد من البلدان العربية وفي مقدمتها الكويت أيضا، والأمر لم يبدأ منذ العدوان على غزة إنما هو امتداد لحملات قادتها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات «BDS»، وهي حركة متجذرة وتزداد نفوذا في كل العالم، وقادت الكثير من التحركات للضغط لضرب الدول والشركات التي تتعامل مع المستوطنات، وعلينا أن لا ننسى الضغوط التي شنها نشطاء الحملة لإلغاء اتفاقية الغاز، والشعار الذي رفع «غاز العدو احتلال». 


ندعم حملات المقاطعة لعزل الدول والشركات التي تؤيد العدوان، وكل إنسان حر لا يجوز أن يسكت عن جرائم الحرب، والإبادة التي يرتكبها الكيان الغاصب، فصاحب الضمير أينما كان لا يصمت، وربما سلاح المقاطعة أضعف الإيمان. 


حملات المقاطعة مستمرة، وتقوى، وتتعزز، ربما يحدث خلالها التباسات، وأخطاء، فتقاطع شركات، ومنتجات لا علاقة لها بإسرائيل، أو بالدول الداعمة لها، وقد تكون بفعل منافسين يريدون تشويه الآخرين، لكن الشعوب الواعية تُصحح خلال مسارها الأخطاء.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا