حسم الكمبيالات وفق صيغ التمويل الإسلامي


 كثيرا ما ترد بعض الأسئلة عن كيفية تعامل المصرف الإسلامي مع الأوراق التجارية وخاصة الكمبيالات أو ما يسمى خصم وإعادة خصم الكمبيالات، ففي السياسة النقدية يستخدم الخصم وإعادة الخصم كأداة من أدوات السياسة النقدية للتحكم في عرض النقود من قبل البنك المركزي وأداة رقابة وهي في النهاية إجراءات يحددها البنك المركزي، لكن وظيفة الكمبيالات في الأسواق أو بين الأفراد تختلف عن الاستخدام الذي قصدناه من قبل البنك المركزي، وهي تستخدم بشكل كبير ويومي في المعاملات التجارية بين الشركات أو المحلات التجارية والأفراد عندما يكون البيع بالتقسيط وحتى يضمن البائع حقوقه المستحقة الدفع لاحقا يقوم باصدار الكمبيالات حسب الأقساط والتواريخ المتفق عليها أي بمعنى تسهيل عملية التحصيل لكونها تحمل تعهدا من صاحبها بدفع مبلغ محدد في موعد محدد أو بمجرد الاطلاع عليها، لصالح الشخص المعين أو حامل الوثيقة وعادة ما يكون البائع.

اضافة اعلان

 

  لهذا تعتبر الكمبيالة أداة وفاء وائتمان لكونها تحمل تعهدا من المدين بدفع المبلغ المدون في الكمبيالة عند تاريخ الاستحقاق، ويمكن تعريفها بأنها : "ورقة تجارية محررة وفق شكل قانوني محدد تتضمن تعهدا من شخص يسمى الساحب إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه بأن يدفع مبلغا معينا من النقود بمجرد الإطلاع، أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين إلى شخص ثالث يدعى المستفيد، وبتعريف آخر كما ورد في الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة :" بأنها أمر مكتوب موقع عليه من محرره وغير مقيد بشرط موجه منه إلى شخص آخر يكلفه فيه بأن يدفع مبلغا معينا من النقود عند الطلب أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين إلى شخص معين أو لأمره أو لحامل ذلك الأمر"، ومما سبق يتضح لنا بأن الأطراف الرئيسية في الكمبيالة هم: الساحب- المسحوب عليه- المستفيد.


نعود للإجابة على التساؤلات حول كيفية حسم الكمبيلات في المصرف الإسلامي بعيدا عن سعر الفائدة الذي بموجبه يتم عملية الخصم في البنوك التقليدية، يرى بعض الفقهاء أن حسم الكمبيالة يمكن ان يتم على مبدأ "ضع وتعجل"، أي التخلي عن جزء من قيمة الدين الوارد في الكمبيالة ودفع الباقي من قيمتها معجلا أي في الحال، وهنا يقوم البنك في عملية الحسم بتقديم قيمة الكمبيالة قبل ميعاد استحقاقها بالقيمة المتبقية بعد الحسم المتفق عليه للطرف الدائن، لكن هناك وجهات نظر من بعض الفقهاء تتعلق بمبدأ ضع "وتعجل" فهي تقع بين طرفين فقط، لكن عندما يدخل المصرف كطرف ثالث فإن الأمر يختلف فمن حيث الواقع فإن دخول المصرف كطرف ثالث لا ينهي العلاقة بين الاطراف الدائن والمدين في الكمبيالة بل يعود المصرف للدائن في حال تقصير المدين عن الإيفاء بقيمة الكمبيالة في الموعد المتفق عليه، ويتفق المجمع الفقهي الإسلامي وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بأن البديل الشرعي لحسم الأوراق التجارية عامة ومنها الكمبيلات: "هو بيعها بالعروض (السلع) شريطة تسلم البائع إياها عند العقد، ولو كان ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية؛ لأنه لا مانع شرعا من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي"، كما أكد على ذلك المعيار الشرعي رقم (16)المتعلق بالأوراق التجارية حيث قال: "يجوز للمستفيد جعل الورقة التجارية المؤجلة ثمنا بسلعة معينة، وليست موصوفة في الذمة، بشرط قبض السلعة حقيقة أو حكما ".


خلاصة القول إن الشريعة الإسلامية حرمت كافة العمليات المصرفية التي تتم وفق سعر الفائدة، لكن في مصارفنا الإسلامية العديد من الأدوات المالية وصيغ التمويل البعيدة تماما عن شبهة الربا وبالامكان اعتماد عملية الحسم لكافة الأوراق التجارية المتوافقة مع احكام الشريعة الإسلامية مثل عقد المرابحة والمشاركة وعقد السلم وبقية الأدوات التمويلية المتبعة بهذه المصارف.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي  

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا