إنجاز ومثابرة وثبات على الحق


بلغة مباشرة وصريحة، قدّم جلالة الملك في خطاب اليوبيل الفضي رؤيته للماضي والمستقبل، فالملك جندي محترف وضابط عامل في الجيش، رجل مهام، بما تحمله من مخاطر وصعوبات. وكجندي في الميدان يعتز بقيم الشجاعة والصراحة، التي لا تغفل أي عثرات أو أخطاء ولكن ذلك لا يثنيه عن الاستمرار لتحقيق الهدف والمهمة، سعادته ولحظاته الإنسانية تتجلى في حب الناس العاديين، وفي التفاف أسرته القريبة وأسرته الكبيرة الممتدة على مستوى الوطن حوله.

اضافة اعلان


شكلت الأوراق النقاشية الملكية مرجعاً لفكر سياسي معاصر، منطلق من فهم عميق لطبيعة الأردن وطنا وشعبا، وفهم لسياقه العربي والعالمي، وإدراك لطبيعة القوى المحيطة والعالمية ودينامية العلاقات ضمن النظام الدولي العالمي. قدمت الأوراق خريطة طريق للأردن المعاصر تكرس الأصالة والحداثة والمواطنة والتعددية والاعتزاز بالتراث الديني، مؤسسةً لعلاقات دولية قائمة على الأمن والسلام والازدهار الاقتصادي، معتزةً بالهوية الأردنية المنفتحة على أفقها العربي والعالمي. وأعتقد أن هذه الأوراق لم تُدرك بعد بعمقها الفكري من قِبل مؤسسات الدولة وأغلب مسؤوليها، وعلى أبواب المئوية الثانية وبمناسبة اليوبيل الفضي؛ أدعو إلى ضرورة العودة إلى هذه الأوراق عودةً مرجعية فكرية، ووضعها خريطةً لطريقٍ فكري وسياسي للأردن في مئويته الثانية. 


عرض الملك مسيرة ربع قرن وكرّس في رؤيته نهجَ القائدِ الواثقِ المؤمن بالنص الذي يُقيم التقدم في المسيرةِ على أساسٍ من المراجعة الدائمة التي لا تغفل الأخطاء والثغرات وتعمل على تصويبها وترفض منطق احتكار الصواب والحقيقة الذي يعتمده كثير من متصدري المشهد، كما يرفض منطق المثبطين السلبيين المحبطين المتعلقين بمنطق: «ما بتزبط» وبمنطق تقديس الأخطاء دون تقدير لأي إنجاز، ووعد جلالة الملك بالذهاب للمستقبل على أساس من الكفاءات والمهارات والمواهب. 


في السياسة، يستخلص من خطاب الملك أن الأردن القوي الآمن المنيع عسكريا وسياسيا هو سند أمته وشعبه، وإن استئناف مسيرة البناء تقتضي تقديم منطقٍ مختلف في إدارة الحكومات والمؤسسات، منطق يختلف عن كثير مما مضى، فالأردن عند  جلالة الملك هو إنجازٌ في أقصى الظروف، ومثابرةٌ  في أصعب الأوقات، وثباتٌ على الحق في أشدّ المواقف، وهذا في الحقيقةِ توصيفٌ عادلٌ للمسيرةِ، فمع أن الأردن قد واجه ظروفاً إقليميةً صعبةً؛ إلا أنه عانى أيضا من تحدياتٍ على مستوى الإدارةِ والأداءِ الحكومي المحلي العام، ولعل الذهاب للمشاركة الحزبية الشعبية طريقٌ لتجاوز تلك الصعاب بشبابٍ قادرٍ كفء متسلحٍ بالعلمِ والمعرفةِ ومبدأ سيادة القانون.

 

الملك وإن لم يذكر غزةَ بالاسم في احتفال ذي طابع وطني، إلا أنه قدم مسيرة الأردن والأردنيين التي توجت دائما بالإجماعِ بين القيادة والشعب على نصرةِ القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين. 


 تحدث الملك من القلب بلغةٍ دافئةٍ واثقة من النصر والتغلب على الصعاب نحو أردنٍ حرٍ عزيز كريم آمن مطمئن، وإنَّ غدا لناظره قريب جنابك.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا