حفنة من الأذكياء المهرة يلعبون بعقول الجميع

بالقياس إلى سكان العالم الذين يزيدون عن ثمانية بلايين نسمة، فهم مجرد حفنة من الأذكياء والمهرة الذين يلعبون، وربما يتلاعبون بعقول العالم، ويسيطرون على ذوقه، في مختلف جوانب حياة سكانه، ويغيرونه سنويا، وهم صناع الموضة وأصحاب الماركات (Brands) لو يفكر كل منا مليا لاكتشف أنه تابع لهم في أمر أو أمور ما، دون أن يدري أو لا يدري، وأنه مثل حجر الشطرنج بأيدي هؤلاء.

اضافة اعلان


خذ القميص الذي تلبسه مثلا تتذكر أنه كان يسكر بأزرار على طوله، ويُدخل في البنطال . هكذا كان الأمر زمانا، ولكنه يلبس اليوم مفتوحاً عند جملة الفتيان والفتيات والشباب والشابات وحتى عند جملة من أهم أكبر سناً. كما صار يلبس خارج البنطال، أو يكتب عليه. هكذا صارت الموضة. وكان ثمنه زمانا بتراب «المصاري» ثم صار بعضه يصل الآن إلى مائة دينار لأنه من ماركة معينة.


والبنطال كان عادياً وبطية من الأسفل، ثم عرضوه وأزالوا الطية ثم جعلوه رفيعاً (محزّقاً). وكان في الأعم الأغلب سادة، ثم صار ملوناً، وكان من القماش أو الكتان الخفيف، ثم صار من الجينز الثقيل، وكان محكماً ثم صار ممزقاً عند الركبة أو عند القدم، وكان يبدو جديداً ثم صار بالموضة يبدو قديماً. وكان يلبس مستقيماً، ثم صار يلبس ساحلاً مرة من الأمام ومرة من الخلف. هكذا صارت الموضة فيقال:

 

رجعت موضة البنطال العريض. وكان مقصوراً على الرجل ثم صارت المرأة تلبسه، بل إن النساء المحجبات يلبسن على الموضة تحت الجلباب.


أما الجرافة فكانت شبه عريضة، ثم جعلوها نحيفة. هكذا صارت الموضة، وهكذا الأمر في بقية الملابس أو الأزياء.


وكان شعر المرأة وشعر الرجل مختلفين من حيث الطول والقصر والتصفيف، وإذا بهما اليوم يتماثلان.


وكانت المرأة هي التي تلبس الأقراط، ثم صار الرجال يلبسونها. هكذا صارت الموضة.

 

وكان الفتى أو الشاب يحلق لحيته كل يوم، ثم صارت اللحية موضة. وهكذا تنقل الموضة الناس من العكس إلى العكس. وحتى أشكال المأكولات والمشروبات والجريمة والغش.. صارت موضة.. وكذلك الجنس وبخاصة في أميركا صار موضة حيث زادت أشكاله عن سبعة (LGBTQIX) ابحث عنها في جوجل تعرف معناها فكل حرف يدل على شكل من الجنس، يختار منها الطفل ما يرغب فيه بدواء أو بعملية.


في كل عام يكشف كل قطاع وبخاصة قطاع الأزياء والأحذية عن موضة جديدة والناس يتعبون، بل يلهثون وإلا بدا المتخلف منهم عن الزملاء مسكيناً أو خارج السرب. أما الماركة فحدث عنها ولا حرج. 


الموضة تعبر عن التيار. أما الماركة فتعبر عن الطبقة. أما الضحية فهو المستهلك المستغني عن عقله أو المؤجرة لصناع الموضة وأصحاب الماركة، فالحذاء من ماركة معينة التي تشتريه بخمسين ديناراً، يمكن شراؤه من مصنعه في بنغلادش أو في أندونيسيا... بعشرة دنانير، ولكنهم بدون الماركة، أو اللوغو (Logo) الخاص بالماركة لا يشترونه لرخصه، وأنت تشعر بالخجل من لبسه قدام زملائك الذين يلبسون الحذاء ذي اللوغو/الماركة. وإذا كنت غير قادر مالياً على ذلك فإنك يمكن أن تحصل عليهما من التصفية الأميركية أو الأوروبية.


وفي الختام : صار الناس عبيداً للموضة والماركة أي لصناعها وأصحابها لأنهم (الناس) لا يفكرون، ولذلك تراهم في تيارات الموضة والماركة يسبحون، وكثير منهم فيه يغرقون، لأن الموضة لا تتوقف. والغريب أو حتى العجيب أن هذه التبعية التلقائية للموضة والماركة، لا تخص الأولاد والبنات والشباب والشابات، بل يتبعها في تيارها معلمون ومعلمات وأساتذة وأستاذات ومثقفون ومثقفات ومديرون ومديرات ووزراء ووزيرات ورؤساء حكومات ودول ورئيسات. نعم إن الناس يحبون التغيير وإن الموضة بزنس، وأحد أكبر قطاعات البزنس ولكنها الرأسمالية لا تشبع فتستغل هذا الحب أوسع استغلال بالاختراعات والابتكارات والتغييرات. ومع هذا فالموضة تطفي البهجة على حياة الناس وتضيف إليها لمسات جملية من آن إلى آخر، وإلا كانت الحياة مملة لو استمر على نسق واحد دائم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا