خطاب لا يمثل الفلسطينيين (2)

عند الحديث عن التمثيل الفلسطيني، والخطاب الذي يقصي الفصائل التي اختارت المقاومة كـ"آخر" مُدان، لا ينبغي نسيان تاريخ الانقسام الفلسطيني الحالي. وقد لخص لورنس دافيدسون، أستاذ التاريخ المتقاعد من جامعة وست شستر الأميركية، هذا التاريخ كما يلي: 

اضافة اعلان


"تبدو الطريقة التي يتحدث بها الإسرائيليون عن تحرك 7 أكتوبر كما لو أنه لم يكن هناك أبدا 6 أكتوبر، أو عندما يتعلق بغزة بالتحديد، السنوات الـ17 السابقة التي تعود إلى العام 2006. وتساعد مراجعة تاريخ تلك السنوات في فضح كذبة ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس. في أكتوبر 2006، جرت انتخابات وطنية (فلسطينية) تحت إشراف دولي في فلسطين. وبسبب الفساد المرتبط بحركة فتح، الحزب الذي سيطر على السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعاون فتح مع الاحتلال الإسرائيلي، فازت حركة المقاومة الإسلامية، حماس، في الانتخابات. وكانت لحماس سمعة الصدق والموثوقية وأصرت دائما على استمرار المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.‏


‏"كان رد فعل إسرائيل على انتصار حماس هو اعتقال أعضاء الحكومة الجديدة المقيمين في الضفة الغربية. وطالبت الولايات المتحدة وقوى أوروبية أخرى حماس بمواصلة علاقة التعاون بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل. ورفضت حماس. وبدأت الولايات المتحدة وإسرائيل وفتح في التآمر لإيجاد طرق لإلغاء الانتخابات وتدمير حماس. وبحلول العام 2007، فرضت إسرائيل، بالتعاون‏‏ ‏‏مع مصر، حصارا على قطاع غزة. وكان الحصار يعادل تراجع التنمية (في غزة) الذي أفقر أكثر من مليون شخص. وأدت التوغلات الإسرائيلية المسلحة الدورية في القطاع إلى استمرار التوتر الاضطهادي. وتحول قطاع غزة إلى سجن في الهواء الطلق.‏


‏"ويمكن أن تُضاف إلى هذه الصورة حقيقة أن‏‏ جميع المحاولات السابقة للتفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين أجهضتها إسرائيل‏‏ لأن أي تسوية توفيقية كانت ستقوض التصميم الأيديولوجي الصهيوني على تحويل كل فلسطين إلى أرض "يهودية" تسيطر عليها إسرائيل.‏ 


"‏في ظل هذه الظروف، كان الطرف الوحيد الذي مارس حقا "الدفاع عن النفس" في 7 أكتوبر 2024 هو الفلسطينيون تحت قيادة حماس وغيرها من جماعات المقاومة المتحالفة معها". (انتهى الاقتباس)‏


وفق ما أفرزته السنوات منذ نشوئها، بدلاً من أن تكون حلًا، كانت "السلطة الفلسطينية" من العناصر المركزية التي أدارت الصراع فلسطين بطريقة جعلت الفلسطينيين خاسرين. وبدا الوضع الفلسطيني في ظل "السلطة" مستقرا على كل فوضاه الأسطورية حتى أن القضية الفلسطينية أزيحت إلى الهوامش. وبمرور السنوات، مع استمرار مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وتعميق السيطرة الأمنية الصهيونية على أهل الضفة وسجن أهل غزة، تكاثرت الانتقادات للسلطة، حتى أننا بالكاد سمعنا من يمتدحها سوى العاملين في بيروقراطيتها الكسولة، الذين يقبضون رواتبهم منها أو يستفيدون ويثرون من علاقاتهم بها.

 

وقد انتقدها حتى كُتاب يهود مؤيدون بدرجة أو بأخرى للحق الفلسطيني أو جزء منه. وقدر هؤلاء أن سياساتها في مجملها أضرت بالقضية الفلسطينية وخدمت مصالح "إسرائيل".‏


على سبيل المثال، انتقدت أميرة هاس، صحفية "هآرتس" المعروفة بتغطيتها للقضايا الفلسطينية، السلطة الفلسطينية لتعاونها مع السلطات "الإسرائيلية".

 

واتهمت السلطة بإعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب مصالح الشعب الفلسطيني. وسلطت في كتاباتها الضوء على حالات قامت فيها قوات الأمن التابعة للسلطة بقمع المعارضة السياسية الفلسطينية بالعنف -وهي إجراءات قالت هاس أنها تفيد إدامة الاحتلال "الإسرائيلي" بدلاً من تحديه.‏


‏وفي أميركا، كثير ما أثار بيتر بينارت، الصحفي والمعلق اليهودي المخاوف بشأن حكم السلطة الفلسطينية وتأثيره على النضال الفلسطيني. وقال بينارت أن فساد السلطة الفلسطينية واستبدادها قد نفرا الفلسطينيين وقوضا تطلعاتهم إلى إقامة دولة. وأكد في أكثر من مناسبة على أنه من خلال الاعتماد على المساعدات الدولية والتعاون الأمني مع "إسرائيل"، أصبحت السلطة الفلسطينية متواطئة في إدامة الوضع الراهن، مما يخدم فعليا مصالح "إسرائيل" على حساب الحقوق الفلسطينية.‏


‏وكان نورمان فينكلشتاين، العالم السياسي اليهودي البارز والمؤلف المعروف، صريحا في انتقاداته لسياسات الكيان، وإنما مع إدانته لقيادة السلطة الفلسطينية.

 

وقد اتهم فينكلشتاين السلطة بخيانة القضية الفلسطينية من خلال الاستسلام للمطالب "الإسرائيلية"، والتخلي عن مبادئ المقاومة وتقرير المصير. وجادل بأن اعتماد السلطة على المفاوضات والدبلوماسية فشل في تحقيق نتائج ملموسة للفلسطينيين، مما أدى إلى إشاعة خيبة الأمل والإحباط بينهم. ‏


تشير الانتقادات التي وجهها هؤلاء الكتاب اليهود إلى قضايا منهجية داخل السلطة الفلسطينية أعاقت تقدم القضية الفلسطينية. فمن خلال الانحياز إلى مصالح الكيان وقمع المعارضة، أدت ممارسات السلطة وخطابها إلى تآكل شرعيتها في نظر العديد من الفلسطينيين، وهددت نضالهم من أجل الحرية والكرامة. وبدلاً من أن تكون وسيلة لجلب الحق في تقرير المصير الفلسطيني، أصبحت متورطة في نظام يديم قهر الفلسطينيين والهيمنة "الإسرائيلية".‏


‏ولم يكن الإخفاق داخليا فقط؛ كانت لسياسات السلطة آثار أوسع نطاقًا على القضية الفلسطينية، منها تقويض الدعم والتضامن الدوليين لها كما كان حالها في 6 تشرين الأول (أكتوبر). كما شوهت السلطة السردية الفلسطينية، وغيرت تعريف وحدود فلسطين، بل إنها انحازت بوضوح إلى أعداء حق الفلسطينيين في الكفاح المسلح –خطابًا وممارسة. وإذا كانت الشرعية التمثيلية للسلطة الفلسطينية موضع شك، بحكم نتائج الانتخابات، أو تجاوز الفترة الرئاسية، أو استطلاعات رأي الفلسطينيين، وكتابات لا تحصى لفلسطينيين وعرب وأجانب ويهود، فإن عليها أن تقتصد عندما تتحدث باسم الفلسطينيين وأن تخرج من حالة الإنكار التي تزين لها المزيد من الإساءة إلى الحالة الفلسطينية النضالية المشتبكة الآن في صراع عالمي والسردية الوطنية الفلسطينية التي يستعيدها المقاومون بكلفة الدم. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا