حل العودتين (2)..!

كتب صحفي الكيان ألون بن مئير، المحسوب على معسكر السلام: «المذبحة التي لا يمكن تصورها التي ارتكبتها حماس ضد اليهود الإسرائيليين وتعطشها الذي لا يرتوي للدماء اليهودية كانت سبباً في إثارة أشد الإدانات شراسة في العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك العديد من الدول العربية».

اضافة اعلان


بغض النظر عن التوصيفات المقطوعة من السياق لحادثة خروج الفلسطينيين المحاصرين في القطاع من سجنهم إلى أرضهم المحتلة، لماذا قد تدين «العديد من الدول العربية» فعل المقاومة الفلسطيني المشروع للاحتلال؟ هل كانت هذه الدول لتدين نفسها أو تقبل بأن تُدان لو أنها استُعمِرت وهاجم مقاوموها مستعمرات ومعسكرات– وقتلوا بعض المستعمرين؟


كتب بن مئير في نفس الفقرة، مبررًا وحشية رد الكيان: «وكانت الدعوة إلى الانتقام والثأر من جانب العديد من الإسرائيليين بمثابة رد فعل إنساني غريزي يمكن تبريره في لحظة من الغضب والدمار لا مثيل لها». ألا يحق للفلسطينيين أن يكون لهم رد فعل إنساني غريزي يمكن تبريره نتيجة لعقود طويلة من الغضب والدمار بأبعاد أسطورية؟


في الحقيقة، رأينا بعض المواطنين «العرب» الذين يرتدون الحطة والعقال يقولون في فيديوهات إن فعل المقاومة الفلسطيني مُدان واستهدف مدنيين آمنين. وقال آخرون إن بني إسرائيل عادوا إلى الأرض التي أعطاها الله لهم وأن على الفلسطينيين أن يخرسوا. واتّهم آخرون الفلسطينيين ببيع أرضهم، أو بتخريب الوطن العربي وجلب الويلات عليه وكأنهم ذهبوا وقتلوا اليهود في أوطانهم واستفزوا الصهاينة وأحضروهم إلى هنا. إنه خطاب أكثر من صهيوني بكل وضوح، يعفي الاستعمار من المسؤولية ويدين الضحية، بل ويتعارض مع العِلم الدنيوي المقوِّض للهلوسات اللاهوتية الصهيونية.


في العام 2014، نشر موقع «ميدل إيست مونيتور» مادة جاء فيها:
«قال البروفيسور يسرائيل فينكلشتاين، المعروف بلقب «أبو علم الآثار التوراتي»، لصحيفة «جيروزاليم بوست» إن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على أي دليل تاريخي أو أثري يدعم الرواية التوراتية حول «الخروج»، أو تيه اليهود في سيناء، أو غزو يشوع لكنعان. وفيما يتعلق بهيكل سليمان المزعوم، قال فينكلشتاين إنه لا يوجد أي دليل أثري يثبت وجوده بالفعل.‏


‏ووفقًا لزميل فينكلشتاين في الجامعة، المحاضر في علم الآثار، رافي غرينبرغ، فإنه من المفترض أن تجد إسرائيل شيئًا إذا حفرت لستة أسابيع. لكن غرينبرغ قال لصحيفة «جيروزاليم بوست» إن الإسرائيليين يقومون بالتنقيب في ما تسمى «مدينة» داود في حي سلوان بالقدس المحتلة منذ عامين، ولكن دون جدوى».

(انتهى الاقتباس).


باختصار، ليس هناك أي سند لاغتصاب الصهاينة فلسطين وسرقتها من مواطنيها الأصليين غير حجة «الحق التاريخي» التي لا تدعمها الجينيولوجيا ولا الأركيولوجيا ولا التاريخ ولا أي من العلوم الإنسانية أو البحتة. وكتب شلومو ساند في صحيفة «هآرتس» في 2018: «حتى عندما كنتُ أعتقد، مخطئًا، أن «الشعب اليهودي» نفاه الرومان في العام 70 بعد الميلاد أو 132 بعد الميلاد، لم أكن أعتقد أن هذا يمنح اليهود نوعًا من «الحق التاريخي» المتخيل في الأرض المقدسة. إننا إذا سعينا إلى تنظيم العالم كما كان قبل 2000 عام، فسوف نحوله إلى بيت جنون كبير. لماذا لا نعيدُ الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) إلى مانهاتن، على سبيل المثال، أو نعيد العرب إلى إسبانيا والصرب إلى كوسوفو»؟


ويضيف شلومو: «بينما كنت أتابع بحثي، تركني إدراكي لحقيقة أن «الخروج» من مصر لم يحدث أبدًا وأن سكان مملكة يهوذا لم ينفهم الرومان، في حيرة. لا توجد دراسة واحدة لمؤرخ متخصص في العصور القديمة تروي قصة ذلك «النفي»، أو أي دراسة تاريخية جادة تعيد بناء هجرة جماعية يهودية من المكان. إن «النفي» هو حدث تكويني لم يحدث أبدًا، وإلا لكان موضوعًا للعشرات من الدراسات البحثية».


لماذا قد يتبرع «عربي» بترويج رواية ينفيها علماء اليهود؟ ثمة يهودي يظهر في فيديو ويتحدث من فلسطين المحتلة. وهو متدين بوضوح، بالسالفين الطويلين وطاقية اليهود المتدينين ومعطفهم الأسود، يقول بعربية مكسرة: «أنا يهودي، لا صهيوني». ويُكمل بالعبرية: «أريد أن أكون يهوديًا يقول الحق. مثلما كنا قبل 150 سنة، عندما كنا نعيش هنا في سلام وسعادة، أريد أن يعود كل الفلسطينيين إلى أرضهم هنا. أن يعودوا إلى وطنهم الأصلي. أن يعودوا إلى كل مكان كانوا فيه، تل أبيب، حيفا. أقولها للجميع. كل هذه الأماكن هي لهم».


ليس للفلسطينيين مشكلة مع هذا اليهودي، وكل اليهود الذين يقولون الحق. هذا اليهودي مواطنا وليس غازيًا مستعمِرًا غريبًا جاء بنية القتل والسرقة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي. بل إن هؤلاء اليهود عزيزون بشكل خاص لأنهم نزيهون في زمن يشتاق إلى النزاهة.


يقول أستاذ التاريخ يهودي الديانة عربي الانتماء وإنساني النظرة، آفي شلايم- الذي يعلن أن اسمه هو «أبراهام» أو بالأحرى «إبراهيم»، كما يقول، وأنه عربي يعتز بإرثه العربي وبدينه اليهودي- أننا نشهد الآن نهاية المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. ويعلن أن الاتفاقات المعروفة ليست بالتأكيد مسماة على اسمه لأنها تكرس نظام فصل عنصري في المنطقة. ويتحدث يهود بارزون كثيرون عن «فلسطين من النهر إلى البحر»، على الأقل بمعنى تفكيك نظام الفصل العنصري الصهيوني وإقامة دولة لا- دينية لكل مواطنيها تضمن حق العودة والمواطنة للجميع.


من الواضح أن الغرب وقيادته خلف الأطلسي يدافعون باستماتة عن الكيان الصهيوني لأنه أداتهم للهيمنة على منطقتنا وإخضاع مواطنيها. ومع الهيمنة، أي هيمنة، ليس ثمة حرية ولا استقرار ولا تقدم ولا كرامة. ولا بد أن تكون استضافة الكيان، بل وتوطينه في فلسطين وشرعنته جهدًا لإدامة هيمنة الغرباء، وأن الشرط المسبق الأساسي– بل الوحيد- لتحرر المنطقة من الهيمنة– أنظمة ومواطنين- هو تجريد شرطي الاستعمار ووكيله المتنمر في الحيّ من هراواته وطرده من المكان.

 

(يُتبع)

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا