فهم المسألة وتحديد المسار!

ولا في مرحلة من مراحل هذا الصراع القائم على مدى خمسة وسبعين عاما إلا وكان الأردن معنيا بشكل مباشر في بدايات ونهايات جميع التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية، وعاشتها المنطقة، مرتبطة بالصراع الأشمل والأوسع أو بالتغيرات والصراعات السياسية الداخلية في معظم دول المنطقة، وخاصة تلك التي تركت أثرها على الأردن بحكم الجوار .

اضافة اعلان


كان يوم السابع من أكتوبر الماضي حدثا غير عادي، قلب كل الموازين، وأعاد الصراع إلى نقطة البداية، وأشغلت تداعياته العالم كله، وإن كان المحرك الأهم للمواقف الدولية هو أسلوب الإبادة الجماعية الذي تنتهجه حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفه في قطاع غزة، فضلا عن الحسابات الأخرى المتعلقة بنفط المنطقة وممراتها المائية، وغير ذلك كثير مما يرتبط بالتوازنات الإقليمية والمصالع الدولية.


ما من دولة تفهم هذه المسألة بكل تعقيداتها مثلما يفهما الأردن، أولا لأنه الأكثر ارتباطا بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وثانيا لأن تلك القضية غير منفصلة عن مصالحه العليا وأمنه واستقراره ومستقبله، وثالثا لأنه صاحب موقف ورؤية واضحة فيما يتعلق بمقترحات الحلول التي من شأنها إقرار عملية سلام تمنح الشعب الفلسطيني دولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس الشريف، وتفضي إلى حالة من الاستقرار والتعاون الاقتصادي تلبي مصالح جميع دول وشعوب المنطقة.


استطاع الأردن من خلال التحرك السياسي الذي قام ويقوم به جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ومن خلال الدبلوماسية التي مورست على درجة عالية من القوة والتأثير أن يحدد مسارات التعامل مع هذه الحالة الراهنة بكل تفاصيلها المأساوية والمؤلمة، بل وأن يرتبها من حيث التسلسل الزمني لإثبات وجهة نظره المتصلة أصلا بسلسلة من التحذيرات التي أطلقها جلالته في جميع محادثاته مع قادة العالم، وقي كل المحافل الدولية، وخاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة من أن بقاء هذه القضية من دون حل يعني أن احتمالات انفجار الأوضاع في فلسطين وفي المنطقة ستظل حاضرة في كل وقت!


والآن، وبعد كل هذه التراجيديا التي يعيشها الشعب الفلسطيني فقد حدد الأردن المسار نحو والضغط بكل ما يتسطيع من قوة الإقناع لوقف الحرب أولا، ومن ثم الخوض في التفاصيل وليس العكس مما يطيل أمد التفاوض، كما هو حاصل الآن بشأن الأسرى، وغيرها من النقاط التي تحتمل الأخذ والرد، وفي الأثناء تمكن الأردن من أن يدل الجميع على مسار المعونات والمساعدات من خلال الإنزال الجوي متلافيا الإجراءات الإسرائيلية من البر والبحر، وكاسر كل الحواجز والعراقيل التي تحول دون إغاثة أهل غزة من الجوع والعطش والدواء.


الأردن في هذه المسألة وفي كل مسألة هو الدولة بنظامها وسلطاتها ومؤسساتها وشعبها، ولا شك أن أي محاولة لإحداث خلل ما في هذه المنظومة هو خطأ فادح جدا، وسبق أن اتفقنا في هذه المرحلة الهامة من عملية التحديث السياسي التي نعيشها منذ إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين على أن نساهم في بناء الموقف الذي يضمن العلاقة ما بين الرسمي والشعبي من منطلق الفهم والوعي والموقف الموحد تجاه تلك القضية، وتجاه كل ما قد يترتب عليها من احتمالات أو مفاجئات.


وفي اعتقادي أن الأحزاب الوطنية الحديثة قد عملت بجدية ونشاط على فهم المسألة من زاوية أن هذه الحرب قد تطول، وقد تتطور إلى حروب أوسع، وأن المطلوب الآن هو تحصين الأردن أمام كل الاحتمالات والتحديات، ولكن يبدو أنها الآن بحاجة إلى التعبيرعن هذا الفهم بتحويله إلى موقف صارم، والتعبير عنه بصوت أعلى، وفعل أدق وأعمق تأثيرا في مجريات الحالة الراهنة، وما قد يعقبها من تطورات أو تحولات!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا