محرقة جنين.. والعودة إلى "حماس"

الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه وخرابه لجنين، وعلى كامل الجسم الفلسطيني، غير عابئ بأي جهة، خصوصا العالم العربي، والذي لاذ معظمه بالصمت تجاه الجرائم، في ما أصدرت دول قليلة بيانات إدانة لـ"الاستهلاك المحلي".

اضافة اعلان


الدعم العربي للملف الفلسطيني شابه الكثير من الفتور خلال السنوات الماضية، حتى أن كثيرا من الدول لم تعد تتفاعل مع كثير من قضايا جوهرية تعرض لها الملف، وما كان يسمى "قضية العرب الأولى"، أصبح هامشا قليل الأهمية بعد أن ارتبطت دول عربية بمعاهدات واتفاقيات سلام مع كيان الاحتلال، فيما تفتح دول أخرى قنوات تواصل دائمة مع المحتل، في طريق عقد تلك الاتفاقيات.


كل هذا مفهوم، ولكن من غير المفهوم أن يبقى الأردن على سياسته في الحد الأدنى من الدبلوماسية، والتي تكتفي بإصدار بيانات الإدانة، وفتح خطوط خلفية للتواصل، أو الذهاب إلى الجمعيات والمجالس الأممية لإدانة الاحتلال، فهذه الخطوات، وعلى أهميتها، لم تعد كافية للجم إرهاب كيان عنصري يرى نفسه فوق القانون، ويمارس تصفية عرقية بحق الفلسطينيين.


لنتفق أولا على أن الأردن هو ثاني أكبر المتضررين من بعد أشقائنا الفلسطينيين، وأن جميع ما يحدث غرب النهر يؤثر بالضرورة علينا. لكن الخطورة باتت أكبر من مجرد تشارك الشعبين الشقيقين بالأحزان والمآتم، فحكومة الاحتلال المتطرفة تكشف، ولو بشكل غير مباشر، عن مخططها القاضي بإعادة احتلال الضفة الغربية، والعودة إلى ما قبل اتفاقات أوسلو، غير عابئة بجميع المعاهدات التي وقعتها، خصوصا مع وجود سلطة فلسطينية ضعيفة لم تعد قادرة على لعب دور الشرطي لصالح الاحتلال، وعدم وضوح خليفة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما قد ينبئ بصراع قادم لا يريده الاحتلال في الوقت الراهن.


كل هذه الأمور يجب أن تظل في حسبان السياسة الأردنية، خصوصا أن مؤامرة التهجير القسري إلى غربي النهر، والوطن البديل، ووضع الأردن أمام استحقاقات الأمر الواقع لم تسقط أبدا من اعتبارات المخططين الصهاينة الذين ينظرون دائما إلى الأردن على أنه مفتاح الحل النهائي لمأزقهم الديموغرافي، وأنهم يستطيعون "تصدير" الفلسطينيين إلى الأردن بكل سهولة.


المعضلة الأساسية، أنه وفي ظل الظروف الإقليمية والعالمية الراهنة، فإن مخططا مثل هذا قد يتحقق، فالدول العربية غارقة في تحدياتها المحلية، بينما دول العالم الغربي المؤثرة تعيد اكتشاف "أخلاقها المفقودة" تجاه الحرب في أوكرانيا، وتحاول التباكي على الإنسانية المسفوحة هناك، بينما لا تقيم وزنا للملايين من الفلسطينيين الذين يسحقون كل يوم بسياسات عنصرية أسهموا جميعهم بزرعها وبث الروح فيها على مدار قرن كامل.


مخطط مثل هذا قد يكتب له النجاح في لحظة زمنية مارقة، إذا لم يغير الأردن من قواعد اللعبة والاشتباك مع المحتل، وأن يضع اتفاقية السلام والعلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس على الطاولة من جديد. 


منذ إبعاد قادة حماس من الأردن في العام 1999، وضعنا البيض كله في سلة السلطة الفلسطينية، والتي أثبتت على الدوام عجزا وفشلا كبيرين في أن تكون سلطة وطنية جامعة، وقد رأينا الرفض الفلسطيني لها ولما تمثله في الانتخابات التشريعية في العام 2006، التي تصدرتها حماس آنذاك، وانتهت إلى مأساة كبيرة تواطأ فيها الجميع على تلك النتائج.


حسنا، لقد اختلفنا مع حماس قبل ربع قرن، فهل سيظل هذا الخلاف قدرا يتلبس الأردن، ولا مجال لتغييره؟!
إن إعادة العلاقة مع حماس ستمثل ورقة ضغط يمكن أن يستخدمها في وجه الاحتلال وممارساته، إضافة إلى اتفاقية وادي عربة، والتي يرى الأردنيون جميعهم أنه آن أوان استخدامها والضغط من خلالها، لكي لا يظل الاحتلال معتقدا أنه في مأمن من العواقب.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا