مشكلة الدوام في مدارس التعليم العام

محنة التعليم المدرسي تتمثل في تدهور نوعيته، وتراجع جودته عاماً بعد عام. قلما لا تجد واحداً أو واحدة مهتم/ة بموضوع التعليم لا تشكو من ذلك، إن بمقارنة عمودية مع الماضي، وإن بمقارنة أفقية مع الغير. ولعلّ الآباء والأمهات المثقفين الذين يتابعون تعلّم أطفالهم في المدارس العامة هم الأكثر معرفة بهذه المحنة.

اضافة اعلان


ولكن هذه المحنة قائمة وممتدة في مدارس البنين، وقلما تجدها في مدارس البنات – إجمالاً– لأن معظم المعلمات يحببن مهنة التعليم وملتزمات بمتطلباتها، فأنت تدخل مدرسة بنات فتراها نظيفة، وغرفة المديرة أو المعلمات فتراها جميلة، وبالعكس من كثير مدارس البنين.


مدارس البنات تعمل حتى نهاية الدوام، أما معظم مدارس البنين فيفل منها البنون والمعلمون والمدير قبل نهاية الدوام بساعات، ومديريات التربية الكثر في الميدان تتجاهل ذلك، ربما لأنها تقلد المدارس فيه أو تقلدها المدارس به. فاجِئ هذا المدارس بزيارة تجدها وكأنها خراب وربما تجد بعض المعلمين فيها متأخرين يدخنون الأرجيلة.


إن التراجع التعليمي في مدارس البنين ظاهرة ملفتة للنظر، وقد حاول كل وزير تربية وتعليم في الآونة الأخيرة وضع حد له لكنه لم يفلح، وكأنه يجب تدخل الشرطة لإجبار المعلمين والمديرين على الالتزام بعملية التعليم والدوام، وهو تدخل غير مقبول.


والغريب كما ذكر أجد أساتذة التربية أن الأهلين لا يشكون ولا يشتكون، وكأنهم تأقلموا أو ألفوا هذه الحالة وبخاصة في الأرياف، إلا أنهم سرعان ما يشتكون إذا انقطع الماء أو الكهرباء عنهم لساعة، أو تأخر عامل النظافة عن جمع النفايات، ربما لأنهم يحسون فوراً بالأثر السلبي لانقطاع المياه والكهرباء ولا يدركون الأثر السلبي لسوء التعليم الذي سيعانون منه بعد سنوات.


يبرر المعلمون سلوكهم هذا بقلة رواتبهم، وأنها لا تكفيهم، وأنهم لذلك يعطون بمقدار ما يأخذون، ويوفرون الوقت على حساب الأطفال ليقوم كل منهم في العمل المتاح إليه بعد الانصراف، وأربحه عند بعضهم اعطاء دروس خصوصية للتلاميذ بمقدار عشرين ديناراً للساعة، وبالإيحاء عنه للتلاميذ أن يطلبوا ذلك من ذويهم الذين يستجيبون.


والحقيقة أن كثيراً منهم لا يعتبرون التعليم مهنتهم النهائية، وانهم لجأوا إليه لأن العمل في غيره غير متوافر، فرأوا في العمل بالتعليم فرصة متاحة مؤقتة إلى أن يتوافر البديل الأفضل.


كما أن كثيراً من المعلمين والمعلمات الجدد في كل تعيين، لا يعدون قبل المهنة، ولا في أثنائها للتعليم. والمقابلات معهم ليست سوى شكلية. وقد استفحلت المشكلة بإغلاق أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين والمعلمات، بعدما شن بعض النواب حملتهم القاسية وغير المبررة عليها. لقد أسهموا في تراجع مستوى التعليم لأنهم لم يدركوا مدى الخسارة الكبيرة التي تسببوا بها للتعليم.

 

والفاجعة احتفالهم بانتصارهم على الأكاديمية بإغلاقها. وإذا كانوا لا يصدقون ما أدعي فأتحداهم القيام بجولات مفاجئة على مدارس البنين بعد الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة. كان الهجوم على الأكاديمية مثل الذي يطلق العيارات النارية في الهواء ابتهاجاً فتسقط أحدها على رؤوس أحد الابرياء وهو ما حصل مثله على التعليم بإغلاق الأكاديمية. لعل الشجاعة الأدبية تدفعهم إلى الاعتذار عن ذلك للمصابين بإغلاقها، ودعوتهم برجاء وقوة لإعادة فتحها.


إنني أتعاطف تماماً مع المعلمين والمعلمات في موضوع الرواتب، وأرجو أن تقابل أنبل مهنة في العالم وهي التعليم بما يليق بها للمعدين لها ومحترفيها. ومع هذا فأنا ألوم كل معلم وكل معلمة لا يلتزم بالواجب، أي بالعقد الذي وقع عليه مهما كانت شكواه، فالواجب يتقدم على الحق، لأنه يسبقه ولأنه بمثابة إنتاج، أما الحق فيتأخر عنه لأنه بمثابة استهلاك والضمير الحي لا يسمح لصاحبه بانتهاك الواجب أو العقد وحتى بغياب الرقيب. لا يعني هذا أن على المعلمين والمعلمات ألا يطالبوا بتحسين أوضاعهم المالية. إن المطالبة به حق من حقوقهم، ولكنه لا يتم على حساب الواجب. وهو هنا التعليم، فلا نعلم - انتقاماً- بإخلاص ولا نبقى في المدرسة طيلة الدوام.


بالنسبة للحكومات الأردنية نقول: لقد آن الآوان لوقفه وازنة مع التعليم المدرسي. يجب أن تكون له الأولوية في نشاطات الحكومات بالتمويل وبإعداد المعلمين والمعلمات في معاهد/ دور خاصة بذلك، وليس من خلال كليات المجتمع التي يصبح اعدادهم فيها مجرد فرع أكاديمي من فروعها الكثيرة، وليس من خلال كليات التربية أيضاً، الا اذا تحولت الى كليات للمعلمين والمعلمات خارج الجامعة، تتبع لها مدارس للتطبيق.


إن الجرس يدق. ان الصفارة تصفر، فهل من يسمع ويهرع لإنقاذ المدرسة من السقوط في الهاوية. إنها الآن تتدحرج نحوها.


إن إنقاذها سينعكس ايجابياً في جميع قطاعات العمل والحياة. إنه سيقلل الكلفة، وسيزيد في الانتاج والانتاجية، فأين مكان ومكانة التعليم المدرسي في منظومة التحديث الاقتصادي؟ كم تبلغ حصته منها؟ لقد حدث العكس بدمج وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي، الذي يشتت الانتباه عن التعليم المدرسي المتردي. لقد طالبت مرة بوزارة تربية وتعليم خاصة برياض الأطفال وبالسنوات الأساسية الست، ان التعليم العام/ المدرسي في مجنة، فمتى نخرجه ونخرج منها؟!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا