من هناك تبدأ الحكاية ولا تنتهي

في الأصل وفي التاريخ المؤكد أن فلسطين كانت أرض كنعان، ثم وفدت قبيلة من جزيرة كريت تحمل اسم فلسطين، فسطا اسمها على اسم أرض كنعان وصار اسمها فلسطين.

اضافة اعلان

 

لقد ذكرت التوراة أرض كنعان والكنعانيين حسب عدي لكلماتهما في قاموسها اللغوي 155 مرة، والفلسطينيين نحو مائتي مرة.

 

تفيد التوراة أن قبيلة يهودية / عبرانية هي بنو إسرائيل البدوية كانت تبحث عن أرض تستوطنها، فقررت بمبرر إلهي غزو أرض كنعان بادئة بإشعال أول محرقة هولوكست في التاريخ، في مدينة أريحا الكنعانية. وقد فصلت ذلك توراتيا في مقالي السابق في جريدة الغد الغراء في 17/10/2023، لكنني أعود الآن إلى ما قبل ذلك لأعرّف القارئ بالفكر الديني الذي قامت إسرائيل عليه المستمد من التوراة بالنص. 


يبدأ الفكر الديني اليهودي الإسرائيلي تراثه وفكره بإبراهيم ووعد الله (يهوى) له بإعطائه أرض كنعان له ولذريته من بعده.
• وقال الرب لأبرام: ارفع عينك وتلفت حولك من الوضع الذي أنت فيه، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، فإن هذه الأرض التي تراها سأعطيها لك ولذريتك إلى الأبد (سفر التكوين: الإصحاح الثالث عشر: الآيات: 14-15). 


• ثم توسع العرض: «في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً: «سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش [ نهر النيل] إلى النهر الكبير، نهر الفرات (سفر التكوين: الإصحاح الخامس عشر: الآيات 18-19). 


• وعندما كان أبرام في التاسعة والتسعين من عمره ظهر له الرب قائلاً:» أنا هو الله القدير [ يهوى] سر أمامي وكن كاملاً، فاجعل عهدي بيني وبينك، وأكثر نسلك جداً، فسقط أبرام على وجهه، فخاطبه الرب قائلاً: ها أنا أقطع لك عهدي، فتكون أباً لأمم كثيرة، ولن يُدعى اسمك بعد الآن أبرام (ومعناه الأب الرفيع) بل يكون اسمك إبراهيم (ومعناه أب الجمهور) لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم.. وأهبك أنت وذريتك جميع أرض كنعان التي نزلت فيها غريباً، مُلْكاً أبدياً، وأكون لهم إلهاً (سفر التكوين: الإصحاح السابع عشر، الآيات: 1-8) 


• وقال الرب لإبراهيم: «أما أنت فاحفظ عهدي، أنت وذريتك من بعدك مدى أجيالهم: هذا هو عهدي الذي بيني وبينك وبين ذريتك من بعدك الذي عليكم أن تحفظوه: أن يُختن كل ذكر منكم تختنون رأس قلفة غرلتكم فتكون علامة العهد الذي بيني وبينكم: تختنون على مدى أجيالكم كل ذكر فيكم ابن ثمانية أيام... فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. أما الذكر الأغلف الذي لم يختن، يُستأصل من بين قومه، لأنه نكث عهدي (سفر التكوين: الإصحاح السابع عشر، الآيات: 9-14). 


وكما ترى فإنه حسب الفهم الديني اليهودي فإن الله [ يهوى] التقط رجلاً من بين كل البشر في العالم القديم الفاسد والوثني وباركه لأنه آمن به وحده وبارك ذريته وعقد معه ميثاقاً/ عهداً أو وعداً بمنحه أرض كنعان وأكثر من الفرات إلى النيل. 


• ونادى ملاك الرب: إبراهيم من السماء مرة ثانية وقال له: ها أنا أقسم بذاتي يقول الرب لأنك صنعت هذا الأمر [كدت تضحي لي بولدك] ولم تمنع ابنك وحيدك عني [مع أنه لم يكن وحيداً لقد كان له أخ آخر هو إسماعيل الأكبر سناً منه الذي يعتقد المسلمون أن إسماعيل كان المضحى به] لأباركنك وأكثر ذريتك فيكونون كالنجوم في السماء وكالرمل على شاطئ البحر، وترث ذريتك مدن أعدائها، وبذريتك تتبارك جميع أمم الأرض لأنك أطعتني (سفر التكوين: الإصحاح الثاني والعشرون، الآيات: 15-19). 


• وشاخ إبراهيم وتقدم به العمر وبارك الرب إبراهيم في كل شيء وقال إبراهيم لرئيس عبيده، المتولي جميع شؤون بيته: «ضع يدك تحت فخذي»، فاستحلفك بالرب إله السموات والأرض أن لا تأخذ لابني زوجة من بنات الكنعانيين الذين أنا مقيم في وسطهم، بل تمضي إلى بلدي وإلى عشيرتي وتأخذ زوجة لابني اسحق (سفر التكوين: الإصحاح الرابع والعشرون،  الآيات: 1-5). 


• وظهر الله ليعقوب مرة أخرى... وقال له: لن يدعى اسمك يعقوب في ما بعد، بل إسرائيل [ومعناه يجاهد مع الله] وهكذا سماه إسرائيل.. والأرض التي أعطيتها لإبراهيم واسحاق أعطيها لك ولذريتك من بعدك أيضاً (سفر التكوين الإصحاح الخامس والثلاثون، الآيات: 15-13).
مما مر وغيره كثير تدركون بماذا يؤمن اليهود وبخاصة الجناح اليميني المتطرف كما تمثله الصهيونية الدينية والليكود. 


لماذا إذاً لا نجد الشعب الكنعاني في خطاب العالم اليوم؟ الجواب بسيط: لقد غزاهم بنو إسرائيل في الماضي وأقاموا دولتين لهم على أرضه فيما كان يسمى دولة يهوذا [قبيلتان] وعاصمتها القدس، ودولة السامرة [عشر قبائل] وعاصمتها شكيم/ نابلس. وقد استمر الصراع بينهما وكذلك بينهما وبين الكنعانيين والفلسطينيين مئات السنين. 


وأخيراً دمر العراقيون القدماء (بابل وآشور) الدولتين: إسرائيل سنة 721 ق.م ويهوذا سنة 586 ق.م وبانتصار دولة فارس على آشور أعادوا اليهود المنفيين إلى فلسطين، وأعادوا أبناء الهيكل (الثاني) لهم في القدس حسب التوراة.


بعد ذلك خضعت أرض كنعان/ فلسطين لليونان 336 – 63 ق.م ثم لروما وبيزنطية حتى الفتح العربي الإسلامي في النصف الأول من القرن السابع الميلادي إلى اليوم.


وفي أثناء ذلك كان الكنعانيون/ الفلسطينيون يتخذون في كل مرة لغة وثقافة الدولة المحتلة، بمعنى أن الفلسطينيين اليوم هم حفدة الكنعانيين والقبيلة الفلسطينية وأن لعنتهم وثقافتهم كانت تتخذ لغة وثقافة المحتل وربما هويته أيضاً إذا طال بقاؤه.

 

وهو مثل ما يجري في العالم اليوم حيث يأخذ الناس جنسية بلدانهم الجديدة، مثل أميركا أو ألمانيا.. مع أنهم من أصول ومنابت وأعراق غير أميركية أو ألمانية، وليس كما تدعي رواية إسرائيل أن الفلسطينيين ليسوا سوى عمالة عربية وافدة إلى إسرائيل دخلوا للعمل فيها، ثم استقروا فيها ورفضوا العودة إلى بلدانهم، بل وطالبوا بسيادتهم عليها.

 

ويشهد على كذبة إسرائيل هذه آلاف القرى والمدن الفلسطينية الضاربة في أعماق التاريخ مقابل حداثة المستعمرات اليهودية.

 

وللأسف تفوز رواية إسرائيل التوراتية على رواية فلسطين التاريخية، ويساعدها في ذلك أكثر من مائة وخمس وثلاثين يهودية أثنية ولغة وثقافة توجد في إسرائيل تتحدث بمعظم لغات العالم، بينما نتحدث بالعربية فقط في مواجهة أكاذيب إسرائيل والغرب، فلا يفهم العالم علينا. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا