هل تشفي قمة الرياض غليل الناس؟

مهما كان البيان الختامي لقمة الدول الإسلامية والعربية فلن يشفي غليل الناس في كل الدول العربية والإسلامية، فالمذبحة، وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والضفة الغربية أكبر، وأكثر دموية، وكل الخطابات مهما كانت ثورية فلا تساوي قطرة دم تنزف من إنسان فتكت به طائرات وصواريخ الاحتلال الإسرائيلي غيلة، وحقدا.

اضافة اعلان


بعد أكثر من شهر على بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة اجتمعت 52 دولة عربية وإسلامية في الرياض، وهي تعرف قبل غيرها أنها لن توقف الحرب على غزة، فكل القرارات الأممية، والدولية تدوسها بساطير الاحتلال، بل إنها تزداد عنجهية، وخرقا للقانون الدولي الإنساني، فلماذا تأبه لقمة عربية إسلامية إذا كانت تدرك أن منظومة دولية ما زالت تحكمها عقلية استعمارية تدعمها، وتوفر لها الحماية والإفلات من العقاب؟، ولماذا ترتعد خوفا من قمة إذا كانت تعرف سلفا أنها لن تعلن حربا عليها حتى لو استمرت إسرائيل في جرائمها؟


في القراءة السياسية للقمة بعيدا عن آمال وطموحات الشارع، فإن توحيد القمتين العربية والإسلامية كانت رسالة على وحدة الموقف لأكثر من 50 دولة في معاينة مشهد العدوان على غزة، وهي دول ذات ثقل سياسي واقتصادي، ويكفي أن ننظر إلى ائتلاف يضم دول الخليج، وإيران وتركيا، عدا عن الدول العربية والإسلامية الحاضرة بقوة في العلاقات الدولية مثل الأردن، ومصر.


اللغة في البيان الختامي لم تكن مألوفة، وخشنة نسبيا، مقارنة مع بيانات سابقة اتسمت بالميوعة، والصياغات العامة، وتؤشر على درجة الغضب، والإحباط لزعماء الدول، وقناعتهم أن العالم الغربي يأتمر، ويتواطؤ مع دولة الاحتلال، ولا يعبأ بمواقفهم والعلاقات معهم، ويفضلون دولة مارقة يساندونها، ويمدونها بالأسلحة، ويوفرون لها غطاء اقتصاديا.


أكثر ما يهم في البيان الختامي أنه لا يوجد أي إشارة واضحة لإدانة ما قامت به حماس في 7 أكتوبر، وكأنهم يقرون بحق الشعوب في مقاومة المحتل، رغم تمسكهم بخيار السلام، ولا يوجد في البيان ما يدين المقاومة، مع دعوتهم لإطلاق سراح الأسرى المدنيين بما فيهم الآلاف في سجون الاحتلال.


ولهذا فإن السردية العربية والإسلامية ترفض توصيف هذه الحرب الانتقامية بأنها دفاع عن النفس، ولا يمكن تبريريها تحت أي ذريعة، وفي هذا التوجه يتماهون مع الخطاب الحقوقي بأن الاحتلال في كل أدبيات حقوق الإنسان، والقانون الإنساني لا يملك الحق في الحديث عن الدفاع عن النفس ما دام قوة قائمة بالاحتلال.


يذهب البيان إلى الاقتداء بالموقف الأردني الذي كسر الحصار بإنزال إمدادات للمستشفى الميداني في غزة دون إذن، أو موافقة من سلطات الاحتلال، ولهذا يؤكد البيان على كسر الحصار، وفرض إدخال المساعدات، وهذا يشكل تحولا في الموقف، وتطبيقه على الأرض يوفر للغزيين فرصا للصمود، والتصدي.


عدا عن التوصيف للعدوان باعتباره جريمة حرب، والإشارة للتهجير القسري وخطورته، ومخالفته للقانون الدولي الإنساني، فإن بيان القمة بذهب إلى مطالبة مدعي عام المحكمة الجنائية لاستكمال التحقيق في جرائم الحرب للاحتلال، والجرائم ضد الإنسانية، ويدعم المبادرات القانونية، والسياسية لدولة فلسطين لتحميل قادة سلطات الاحتلال المسؤولية عن جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك مسار الرأي لمحكمة العدل الدولية، والسماح للجنة التحقيق المنشأة بقرار مجلس حقوق الإنسان التحقيق بهذه الجرائم دون إعاقتها.


يحذر الملك في خطابه في القمة من أن المنطقة بسبب العدوان قد تصل إلى صدام كبير تطال نتائجه العالم كله، إن لم تتوقف الحرب البشعة على غزة، مبينا أن عقلية القلعة لقادة الاحتلال تريد تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة.


يدرك الملك أكثر من غيره المخاطر التي تهدد المنطقة، وفي مقدمتها الأردن، ويعرف أن الاحتلال بدأ بمخططه لتهجير أهالي غزة، وحين ينتهي، ويحقق أهدافه وسط صمت دولي، فإن الخطوة التالية هي الضفة الغربية وتهجير سكانها للأردن، وفي التوازي سيغيرون معالم القدس ويفرضون تهويدها.


انتهت القمة العربية الإسلامية في الرياض، والسؤال المطروح على الزعماء والقادة كيف ستطبقون قراراتكم؟، وماذا ستفعلون إذا استمرت الحرب، واستمرت جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟ وماذا ستقولون لشعوبكم التي تراقبكم، ولا تريد بيانات لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا