الجبهة الداخلية بخير

الأردن الأكثر تأثرا بالتبعات السياسية والاقتصادية الناتجة عن حرب إسرائيل على غزة، وجلالة الملك الأكثر والأسرع تحركا عربيا وعالميا لمحاولة وقف هذا العدوان، وفي ضوء قلة المعلومات عن الساعات الأولى للعملية وما حصل بها، فقد أخذ الأردن موقفا مبدئيا، ووضع له مرجعية إسلامية مفادها انكار استهداف المدنيين من أي جهة كانت؛ ومن هذه البوابة عبر الجهد الدبلوماسي الأردني، ليقول على لسان جلالة الملك ومن بعده جلالة الملكة وأيضا وزير الخارجية أن أصل هذه المأساة هو الاحتلال، وأن المحتل لا يجوز أن يدعي بحق الدفاع عن النفس طالما هو المعتدي أصلا، وأن أي تباك على المدنيين من دول العالم التي لم تقف في وجه الاحتلال والاستيطان، هو تباك مدان أخلاقيا وعمليا، ويعتبر مساهمة مباشرة لاستهداف المدنيين من هذه الدول جميعا.

اضافة اعلان


هذا الموقف المؤسس حقوقيا ودبلوماسيا، نجح بالتنسيق مع الدول العربية كافة، باستصدار قرار من الأمم المتحدة بموافقة 120 دولة لوقف الحرب على المدنيين في غزة، صحيح أن القرار غير ملزم، ولكنه اختراق مهم في تصنيف أعمال إسرائيل بأنها اعتداء على المدنيين، وإذا نجح الخطاب الأردني بشيء؛ فإنه نجح ليقول للعالم: إن استمرار نهج تهميش الفلسطيني، وتصفية قضيته مخالف للقانون الدولي، وحتى انه لا يخدم مشروع الغرب في دعم ووجود إسرائيل، وان كل العرب مجتمعون لن يفيدهم في تجاوز الفلسطيني والقفز عنه.


الشارع الأردني انتفض عن بكرة ابيه، وفيه مظاهر وحدة سياسية ووحدة وطنية عالية، حيث أن أحزاب اليمين واليسار والوسط والناس غير المتحزبين تتناوب الهتافات بالتنديد بالعدوان على المدنيين، والهتافات عاطفية سياسية، ليس فقط في عمان بل في كل محافظات المملكة، وهذا ليس بجديد على الأردنيين، فإن رفض الاحتلال ونصرة الأقصى تراث أردني عريق.


محليا، هناك أصوات سياسية توقفت عند عملية طوفان الأقصى، وعند تقييم موقف الدبلوماسية الأردنية باعتبار أن فيها بعضا من الاندفاع، وأن الأردن من حقه في هذا الصراع أن يكون أنانيا إلى قدر ما، وأن يقف مع الغزيين، ولكن أن لا يطيح بأسس تحالفاته كدولة، وهذه التحالفات من وجهة النظر هذه أميركا والغرب عموما.


من الواضح أن الأردن الرسمي، ينأى بنفسه عن التماهي مع حماس ومع عمليتها وبرنامجها، ولكن اعتقد أن العقل السياسي الأردني، ومنذ صفقة القرن بدأ يستشعر أن حلف أميركا بالذات لم يعد كما كان، وأن هناك استعدادا في بعض أواسط الإدارة الأميركية للتضحية بالأردن ووجوده وديموغرافيته؛ خدمة لمصلحة إسرائيل، وهذا دفع ويدفع الأردن ليقول لبعض الأصدقاء المرشحين أن يكونوا أعداء، انتبهوا لن نكون لقمة سائغة لكم، والتهديد بالتهجير إلى الأردن الذي ظن البعض انه مستبعد، صار واقعا مطروحا قيد التنفيذ في غزة عسكريا وسياسيا، وأن الضغط على مصر لم ولن ينتهي لقبوله، وواضح أن التهجير إلى مصر خطة متكاملة، سيتبعها التهجير من الشمال الفلسطيني ومن الضفة، وهنا الأردن هو المستهدف الأول.


طوفان الأقصى تستوجب مراجعة لسياساتنا وتحالفاتنا السياسية كافة، وفي ظل التحديث السياسي والمناداة بالأحزاب والحياة الحزبية، هذه فرصة تاريخية لمشاركة الأحزاب في مثل هذا التفكير الاستراتيجي، فإن البون شاسع بين معطيات الدولة العملية والاقتصادية والأمنية، وبين التحليل السياسي للأحزاب القائم على قيم نموذجية خارج الإدارة الفعلية للدولة، والحل لهذه المعضلة عند الدولة، وليس عند الأحزاب؛ فعلى الدولة مشاركة الأحزاب بالأرقام والمعلومات والتحديات، وهذا يتطلب عملا جديا يتجاوز اللقاءات العامة البروتوكولية.


اعتقد ان الظرف يحتاج إلى تشكيل مجلس شعبي رسمي من أمناء الأحزاب وقيادات سياسية وأمنية ومجتمعية بهدف التواصل الدائم وتبادل المعلومات لتنسيق الجهود، المفروض أن هذه الأحزاب هي الحكومات القادمة واشراكها في القرار في هذه المرحلة ضرورة ومصلحة عليا، وقد يعتبر من قبيل التدريب العملي على تولي المسؤولية، وهو ما سيخدم في تقديم السياسي على الأمني دعما للأمن والجبهة الداخلية، كما سيحول دون إرهاق المؤسسة الأمنية والعسكرية، ويمكنها من الاستمرار بالقيام بجميع واجباتها على الحدود وفي الداخل، مطلوب أكثر من أي وقت مضى أن نتواصل ونفهم على بعض جنابكم!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا