وللتواصل فنون

عندما قامت جريدة يومية أردنية رسمية في صباح يوم الأربعاء المُوافق 15 من أكتوبر لعام 2023 بنشر مُحتوى باللغة العبرية على الصفحة الأولى أي بلُغتهم هم! فهي خُطوة جريئة Move Bold فما يزال الشعور لدينا بأننا في موضوع «القضية العادلة» نتحدثُ فقط مع أنفسنا، أو مع بعضنا بعضا ضمن دائرة مُغلقة في كل مُواجهة كنا نرغبُ فيها بإيصال «الحقيقة»، ولم تصل؟ تلك الحقيقة التي نعلمُها نحنُ جيداً ونعرف بأنها لم تبتدئ بحرب غزة، بل حدثت منذ «نكبة» حلت في «فلسطين» في عام 1948 وما تبع من «احتلال مُتكرر» ومن مُعاناة تاريخية وألم وعذابات لشعب أصبح «عرقه» وغصباً عن رواية التزوير الممنهجة، يتجذر الأرض والسماء معاً.

اضافة اعلان


لقد أظهرت التغطيات الدولية المُنحازة سريعاً منذ بداية الحرب بأننا لم نصل بعد الى عدد من المُتلقين بالعالم، ومن بينهم البعيد والقريب والصديق والمُتعاطف ومشروع الصديق والرجل المُحايد! والدليل هو في كم التورية، وحجم غسل الأدمغة الذي وقع حول القضية بحيث تبدو للبعض كأنها لم توجد؟ أو كأننا لا نكتب وهم فقط الذين يعلمون ويقرأون؟ ولهذا أسباب منها حجم ومُلكية المنصات الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة، التابعة لهم بشكل أو بآخر في أرجاء العالم، استخدام التكنولوجيا، داهية السردية، وجاهزية المُحتوى وتورط عدد كبير من الناشرين من الهند الى السند بالضخ الإعلامي المطلوب بالشكل وبالطريقة وبالوقت المُناسب.


يبدو لي هنا بأن جريدة الغد قد ابتدأت فكرة قد تقودُ الى مشروع صحفي عام للنشر باللغة العبرية؟ وهذا ببساطة إعادة انتاج لما كان مُتبعاً كآلية عسكرية رسمية للتوصيل وايصال الهدف باللغة العبرية من الأردن. 


فمنذ الستينيات درس الأوائل اللغة العبرية (في جامعات مصر مثالاً) وتميزت الإذاعة، وتفرد التلفزيون الأردني ببرنامج اللغة العبرية بمُحتوى وترجمة وطنية بكادر مُتخصص. لكن الواقع اليوم انه لا توجد مثل هذه الواسطة القانونية بشكل منصة رسمية عدا عن أن تُهمة خيانة القضية، وتهمة التطبيع هي دوماً جاهزة ضد من يجرؤ والتجهيل مُستمر. عندما نشرت الغد باللغة العبرية هي بذلك كسرت ما يُعرفُ في علم التواصل، بمُتلازمة الفكرة المحبُوسة وهي أننا نتحدثُ مع أنفسنا وبامتداد الذي يُشبهنا فقط، فنعتقد بأن المعلومة قد وصلت! وبالإطار التنظيمي فقد اقترحنا إنشاء لجنة تتفرعُ أعمالها عن لجنة فلسطين في مجلس الأعيان (و/ أو النواب ومجلس الوزراء) للتخصص بالإسرائيليات لتكون عينُها على القضية وعلى الأردن والاستعانة بمراكز اللغات في الجامعات للترجمات ويتوافر هنا المُختصون. 
ويُمكن للدولة والمجتمع المدني التمويل واعداد الفرق لتوظيف الطرق المُبتكرة لنقل مُحاضراتنا وضخنا النفسي واللغوي والنفخ المُستمر، ليُخاطب الضمير الكوني عند صياغة أي مُحتوى، ولدعمه بالنقاشات التقنية والفنية الضرورية لصياغة وتقديم السردية الدقيقة بشكل دقيق باللغة العبرية. لقد عزف النشطاء المنخرطون بالواقع عن ذلك، خوفاً وهرباً من تهمة التطبيع الجاهزة بالوقت الذي نرى بأن الحكومة الأميركية قد أعلنت بأن اللغة العربية هي لغة حاسمة، ويوجد طلب مُرتفع بشكل استثنائي لديهم، على الناطقين باللغة العربية بالمجالات الاقتصادية والإنسانية، وبالأمن القومي. 


لقد حان الوقت لتغيير بعض النهج في أدوات التواصل وهو ما ابتدأ بجلالة الملك عند النشر في صحيفة هآرتس العبرية باللغة العبرية وقرأ الناس هناك. أو بما قام به وزير الخارجية والقيادات الفكرية من تواصل وما قامت به جلالة الملكة من حوار انساني باللغة الإنجليزية وفهم العالم هناك. 


ومن الضروري اختيار المُفيد فقط من المُقترحات بشكل تدريجي لتجنب الوقوع بمأزق التطبيع اللغوي والنفسي ويوجد لدى عدد من القُوى الوطنية الأردنية والفلسطينية الفاعلة من داخل الأردن وخارجه اطلالة قانونية قريبة على الواقع العبري ولأكثر من سبب يجبُ توظيفها. لا نُودع العنب والتين في تشرين قبل أن يفهمنا العالم وبأن نتواصل وحدة واحدة بالسردية وبالتعريفات لمفردات القضية والقضية العادلة، فلسطين، فلسطيني، النكبة، غزة، الغزاوي، الاحتلال والاحتلال المُتكرر، التطهير العرقي، الهجرة، المهجر واللاجئ. لنتوافق لفظياً بلا وجل وهو الهدف من المُقترح اليوم بترجمة العمل الوطني الى اللغة العبرية.


«خاصية جديدة، واجتراحٌ في علم التواصل وفي فن الاقناع، الذي قامت به جريدة الغد عندما نشرت للقضية الفلسطينية باللغة العبرية.» 


*عضو مجلس أعيان سابق

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا