اللغة العربية وتحديات وفرص الذكاء الاصطناعي

د. محمود أبو فروة الرجبي
د. محمود أبو فروة الرجبي
يشكل انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحديًا بمقدار ما فيه من فرص إيجابية لمختلف لغات العالم، ومنها لغتنا العربية، فقد باتت بعض هذه التطبيقات قادرة على القيام بمهمات عديدة كانت لوقتٍ قريب محصورة في البشر مثل التدقيق اللغوي، والتلخيص، وإعادة الصياغة، وتوليد النصوص الـمختلفة، وتشكيلها، وتصنيف الكلمات والـمواضيع، والإجابة على أسئلة لها علاقة باللغة، وطريقة استخدامها، وتحليل النصوص، وغيرها من الـمهمات. اضافة اعلان
رغم أن ما ذكرناه سابقًا، يجعل التعامل مع مختلف اللغات أسهل، ويعطي فرصة لمن يريد أن يتعلم أي لغة سواء أكانت لغته الأم، أم أي لغة غريبة عليه أسهل، ناهيك عن سهولة توليد النصوص والرسائل التي يمكن أن يتواصل من خلالها أي إنسان مع أشخاص لا يعرف لغتهم، ومع ذلك، فهناك من يتخوف من هذه التطبيقات في المجال اللغوي إلى درجة أن بعضهم يعدها خطرًا كبيرًا عليها، وهذا ما اختلف معه في كثير من الجوانب، واعتقد أنه على العكس من ذلك سيشكل لهذه اللغات، خاصة لغتنا العربية فرصًا غير مسبوقة يمكن البناء عليها للوصول إلى انتشار أفضل، وتحسين في أداء من يرغب بتعلمها من أبنائها أو غير الناطقين بها. 
قبل الولوج في هذا الـموضوع لا بد من تعريف خاص للذكاء الاصطناعي يفيدنا في مقالنا هذا، ويمكن تبسيط مفهوم الذكاء الاصطناعي والقول هو أنه برمجة الآلة والتطبيقات الرقمية لتقوم بمهمات وأعمال يقوم بها الإنسان، ولا نقصد هنا الأعمال الروتينية الاعتيادية، بل تشمل التفكير، وحل الـمشكلات، وابتكار الحلول، وإنجاز الـمهمات المطلوبة، مقرونة بالتعلم الـمستمر عن طريق المستخدمين للوصول إلى إجابات أفضل، وحلول أقوى مع مرور الوقت. 
وسأشير هنا إلى ثلاثة من التطبيقات التي تقدم دعما للغة العربية بشكل سريع، لأثبت أهميتها في تسهيل اللغة العربية، وجعلها أكثر جاذبية، وهذه التطبيقات هي: (chat GPT)، (poe)، و(gemini.google)، ويمكن من خلال هذه التطبيقات – وهذه مجرد أمثلة- القيام بالعديد من الـمهمات التي تسهل اللغة العربية وتجعلها أكثر جاذبية للاستعمال، والقراءة، وهنا أعدد بعضًا منها – على سبيل المثال لا الحصر طبعًا، فهذه التطبيقات تفاجئنا يوميًا بالجديد غير المتوقع: 
أولًا: تشكيل النصوص، وتدقيقها. في حالة قمت بمخاطبة هذه التطبيقات بشكل صحيح، فإنها تقوم بتشكيل النصوص العربية بنسبة صحة عالية جدًا، لم أجدها في أي تطبيق آخر، ولا بد من التركيز هنا على نقطة مهمة لمن يتعامل مع هذه التطبيقات على أنها خبير لغوي لا يشق له غبار، وهذا خطأ كبير، فلا بد أن تكون قادرًا على مراجعة النص الذي يشكله التطبيق، لتكتشف الأخطاء فيه، وقد أشرت في لقاء سابق لي من خلال إحدى الإذاعات الأردنية إلى أن التطبيقات في العمل المتعلق باللغة، والعمل الإعلامي – مثلًا- تحتاج إلى أن تكون خبيرا – وكأنك رئيس تحرير- أو كبير المراجعين اللغويين، لتقوم بتصحيح أي خطأ قد يقع فيه التطبيق، وقد يقول قائل وماذا سنستفيد إذا كان التطبيق يخطئ، والجواب أن المدقق اللغوي، والشخص الذي نعتمد عليه في تشكيل النصوص يقع في بعض الأخطاء، ولكن هناك فرق بين أن تعمل على تشكيل نص في ثلاث ساعات عمل، أو تراجعه خلال أقل من نصف ساعة، وهذا فعلًا ما تقوم به هذه التطبيقات، وقد أجريت عدة تجارب على هذه التطبيقات وقد وجدتها دقيقة نوعًا ما وبتفاوت بينها سأبينه في بحث علمي محكم ينشر قريبًا لتكون الـمعلومة موثقة ضمن تجربة علمية حقيقية. 
وبخصوص تدقيق النصوص، فالأمر نفسه ينطبق في هذه الحالة، وهنا أود إعطاءكم مثالًا على ذلك وفيه مقارنة بين تطبيق (chat GPT) وتطبيق (gemini.google) في تصحيح النصوص العربية، وأود أن أشير إلى أن هذه تجربة بسيطة، وقد لا تعطي صورة دقيقة كاملة عن الـموضوع المراد الحديث عنه هنا. 
كتبت لتطبيق (gemini.google) وهو حسب وجهة نظري، وبناء على الدراسة الأولية من أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعامل مع اللغة العربية. النص كان كالآتي: (وقد كتبته بالطريقة نفسها وفيه أخطاء). 
«يستند التعليم في الأردن والوطن العربي إلى عدة قواعد كبير وهو حق الجميع بالتعليم بما فيهم الزجال، والسناء والاطقال، ويقوم المدرسين بجهود جبارة لتحقيق هذا الهدق». 
طلبت منه ما يأتي: صحح النص الآتي وأعد صياغته بلغة عربية سليمة مراعيًا قواعد اللغة العربية. 
عمل التطبيق على النص، وأعطانا في النتيجة النص المصحح الآتي: 
«يستند التعليم في الأردن والوطن العربي إلى عدة قواعد أساسية، وهو حق للجميع في التعليم، بما فيهم الرجال والنساء والأطفال. ويقوم المعلمون بجهود جبارة لتحقيق هذا الهدف.»
وقد نجح في تحقيق الهدف، وصحح الأخطاء كافة، وعندما ذهبنا إلى تطبيق (chat GPT)، كان الأمر مختلفًا فقد أخفق التطبيق في تصحيح خطأ واحد فقط، وأعطانا في النهاية النص الآتي: 
«يستند التعليم في الأردن والوطن العربي إلى عدة قواعد كبيرة، وهو حق الجميع بالتعليم، بما في ذلك الزجاج، والسيدات، والأطفال. ويقوم المدرسون بجهود جبارة لتحقيق هذا الهدف».
وفي الحالتين السابقتين كان العمل رائعًا، ويمكن أن تختلف النتيجة مع نصوص أكبر.
ثانيًا: توليد النصوص. تقوم التطبيقات آنفة الذكر، وغيرها بتوليد النصوص الـمختلفة التي يحتاجها الناس بمختلف لغات العالم، ومن ضمنها اللغة العربية، وإذا كنت تمتلك حدًا جيدًا من معرفتك باللغة العربية، فإن الأمر يحتاج منك إلى إعادة تعديل بعض الفقرات، والجمل، لتصل إلى نص محترف، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن طريقتك في مخاطبة التطبيقات تجعل النتائج التي تحصل عليها أفضل أو أسوأ، فإذا كانت لديك أفكار معينة، وصغت نصا قويًا فإن التطبيقات تعطيك نتيجة أفضل، أما إذا اعتمدت عليها بشكل كامل فإن النتائج تكون أقل احترافية، وليست إبداعية بشكل كامل، وهذا يحتاج إلى تفصيل خاص في مقال آخر- بإذن الله-. 
ثالثًا: خدمات تعلم اللغة. يمكن من خلال هذه التطبيقات تقديم إجابات حول إذا ما كانت الجمل التي تكتبها صحيحة أم لا، ولماذا، إضافة إلى اقتراح كتابة جمل بشكل أفضل، وإذا كانت اللغة العربية ليست لغتك الأم، فإن التطبيقات يمكن أن تقدم لك نصوصًا تعبر بها عن نفسك بشكل أقرب إلى أهل اللغة نفسها، كما أنها قادرة على تقديم ترجمة كاملة للنصوص، وشرحٍ لكيفية استخدامها وتوظيفها في جمل متعددة تغنيك عن الترجمة الحرفية، ناهيك عن إعطائك دروساً مختصرة عن بعض ما يتعلق باللغة، وللأسف فإن قدرة هذه التطبيقات الثلاث ليست كاملة، وتحتاج إلى مزيد من التدريب للوصول إلى نتاج أدق. 
رابعًا: التلخيص. تستطيع هذه التطبيقات تلخيص النصوص الـمختلفة، وتقديمها مختصرة، أو على شكل نقاط، بل وكتابة أسئلة حولها، أو تحليلها بشكل أو بآخر. 
هذه بعض الخدمات التي تقدمها التطبيقات الرقمية للغات الـمختلفة، ومنها اللغة العربية، وهناك تفصيلات أخرى أرجو أن يتسع لها المقام في الـمقالات القادمة- بإذن الله-، وفي الخلاصة فإنه وحسب وجهة نظري فإن هذه التطبيقات ساهمت وستساهم في تعزيز تعليم اللغة العربية، وتطويرها، وجعلها متاحة بشكل أفضل للعرب، ولغيرهم.