أبو فرده تقدم دراسة متعمقة في تجربة يوسف الصائغ الشعرية

جماليات التلقي والتأويل في الشعر العربي الحديث
جماليات التلقي والتأويل في الشعر العربي الحديث
عمان - يقدم كتاب "جماليات التلقي والتأويل في الشعر العربي الحديث- يوسف الصائغ أنموذجا" الصادر عن دار النشر دار يافا العلمية، وبدعم من وزارة الثقافة، للدكتورة الأردنية فداء عدنان أبو فرده، دراسة متعمقة في شعر الصائغ.اضافة اعلان
الكتاب الذي جاء في ثلاثة فصول تتحدث عن جماليات التلقي والتأويل في شعر يوسف الصائغ، فيما يتضمن التمهيد نبذة عن حياة الشاعر، وأعماله، فيما يتناول الفصل الأول جماليات التلقي، والتأويل في الشعر الحديث، فقد درست المؤلفة فيه لغة الشعر، وإشكالية التأويل، والدال اللغوي، والمدلول الشعري، فيما يخصص الفصل الثاني لدراسة جماليات التلقي، والتأويل في شعر الصائغ، حيث درست فيه الرمز، والإيقاع، والانزياح في شعر الصائغ، بينما يتحدث الفصل الثالث عن آليات التلقي الحديث، وتوظيف الصائغ لها، والدراما، والمفارقة والفضاء البصري في شعر الصائغ.
يتناول الكتاب التجربة الشعرية للصائغ، وتحليل جماليات التلقي والتأويل فيها من خلال دراسة الرمز، والانزياح، والتكرار بوصفه ظاهرة إيقاعية في شعر الصائغ، وكذلك آليات التلقي الحديث، وتوظيفه لها من دراما، ومفارقة، وتقنيات الفضاء البصري، فالصائغ صاحب تجربة وموهبة أدبية كثيرة، ومتنوعة فهو صاحب تجربة شعرية، ومسرحية وروائية، وفقا أبو فرده.
وتضيف المؤلفة في مقدمتها للكتاب، إنها ناقشت نظرية جماليات التلقي والتأويل، وهي من النظريات الحديثة التي ترجمت من الغرب، وطبقت على الأدب العربي، مبينة أنها اختارت هذه النظرية، لما فيها من حداثة في معالجة النصوص الأدبية على أسس قيمة، وطريقة مبتكرة في دراسة الأدب الخاصة فهي تراعي بنية النص، وأحواله، وتعطي دورا للمتلقي في ملء الفراغات التأويلية للنص، وقد طبقت الدراسة على تجربة شاعر لم تحظ تجربته بالدراسة والبحث، كما حظيت تجارب غيره من الشعراء المعاصرين، رغم الجودة الفنية، والموضوعية التي تميز بها شعره.
وتبين أبو فرده أن الهدف من هذه الدراسة هو الإجابة على بعض التساؤلات منها: ما هي جماليات التلقي والتأويل في شعر الصائغ؟ كيفية توظيف آليات التلقي الحديث في شعره، كيف وظف الشاعر الرمز في شعره؟ وما هي أسباب توظيفه؟ وما هي طرق توظيف الإيقاع في شعره؟ وما هي الأبعاد لتوظيف الانزياح في شعر الصائغ؟ وكيف استطاع توظيف آليات التلقي الحديث في شعره من فضاء بصري، ودراما، ومفارقة".
كتب الناقد الأردني د. عبد القادر الرباعي تقديما للكتاب يقول فيها إن أبو فرده، أدركت أهمية ما يضبط عملها البحثي الرصين، وهو اختيارها المنهج العلمي الناضج المفيد. وانسجاما مع دراستها لنظرية التلقي والتأويل، وهضم منطلقاتها، وتمثل آلياتها، فقد شكل كل هذا رصيدا معرفيا وازنا لها، واستطاعت توجيه دراستها نحو الهدف المرسوم لمسارات البحث في كامل الديوان الشعري المرصودة لهذه الدراسة.
ويرى الرباعي أن المؤلفة وعت إثر دراستها العميقة لفلسفة النظرية التي تأسست على مبدئي التلقي والتأويل، محكومين في إطار جامع هو الجماليات، أنها أمام كم من الوسائل الأساسية الحديثة في تلقي الشعر على اختلاف مستوياته وأزمنته. فالنظرية قد تكون مختلفة عن غيرها في أنها منحت القارئ سلطة القراءة المفتوحة على آفاق الشعر في تشكيلاته الخارجية والداخلية، مع اهتمام أكبر للمعاني الخلفية أو الماوراثية إن جاز التعريف.
ويشير إلى أن أبو فرده وعت لمسألة اللامتوقع من المعاني المثيرة حسب "ياوس"، والتي قد تتوازى مع، أو تقترب من المفارقة التي لها مساحة واسعة في الدرس العملي لشعر الصائغ، ثم هناك مساحة في هذه الدراسة إلى ملء الفراغات التي تستثار من خلال التوسع في القراءة والتأويل بشكل متفرد، وكذلك مسألة الناقد الضمني، بصفته عنصرا لصيقا بنظرية التلقي والتأويل على حد سواء، مثلا منحت نظرية التلقي والتأويل الباحثة ميزة خاصة، فإنها بسطت مساحة واسعة لحركة هذا النقد تتسع للتجول داخل نص مفتوح، فالنص الشعري خاصة يحمل في جنباته زوايا، وفسحا، ثغرات، فيها إمكانات واسعة للاجتهاد والتفسير والتأويل.
ويرى انه ثبت في قراءة الشعر المطروح أن مهمة الناقد المضمر النابع من داخل النص، له القدرة على التحرك في كل الاتجاهات والآفاق؛ محللا متبصرا. يسأل عن كيفية تشكل النص تقديما وتأخيرا، وكذا الجملة: نوعها، شكلها، صورتها، منبعها ومصبها، وهكذا يتم التحرك من أعلى، من أسفل للقبض على المعنى، وخاصة معنى المعنى البعيد. فقد وعت أبو فرده، ذلك كله. وعملت وطبقت في أثناء دراستها لشعر الصائغ، فالشعر ظاهرة مفردات لغوية مسبوكة على هيئة منظمة أرادها الشاعر: هيئة بنائية في الدرجة الأولى، والبناء الشعري يأخذ أشكالا لغوية ذات دلالة ومدلول، ومنها الصورة الفنية والرمز، والانزياح، والإيقاع، والمفارقة، وغير ذلك، وكل هذه الأشكال أدت وظائف موضعية في أمكنتها المحددة، لكنها معا ألفت شكلا واسعا له مردود معنوي غني، وعميق، وذو مقدرة على استنفار كينونة المتلقي؛ كونه إنسانا منطلقا؛ تستفزه المتناقضات، والمفارقات، ولكل هذا وزن كبيرة في نظرية التلقي؛ لأن من شأنها الاستثارة والتحفيز.
وفي خاتمة الدراسة التي حاولت إلقاء الضوء على تجربة الصائغ الشعرية، وقدمت صورة عن عالمه الشعري وكشفت مواطن التلقي، والتأويل في شعره، تقول أبو فرده إن الشعر العربي الحديث امتاز بالمراوحة في استخدام الشعراء ما بين لغة يومية مألوفة مقتربة من اللغة المحكية فيها من روح البساطة، وبين اللغة المليئة بالغموض والتعمية، والأساطير كتقنية وظفها الشعراء؛ لتشكل حالة من الدهشة والاستغراب لكسر الرتابة اللغوية، واستطاع الشعراء المحدثون توظيف الدوال المتنوعة في خدمة نصوصهم الشعرية، وساهمت هذه الدوال في بث الدلالات، والمعاني لخدمة الشعر.
وظف الصائغ الرمز متكئا على سعة وتنوع ثقافته مما أضفى تنوعا في استخدامه للرموز الدينية، والثقافة والتاريخية والشعبية، كما تميز في توظيف الانزياحات في شعره بما يتناسب وسياق القصيدة الأمر الذي ساعد في تحقيق الدهش للمتلقي وكسر أفق توقعه، ووظف أيضا آليات التلقي الحديث بحرفية وتقنية عالية فاستثمر الدراما حتى جاءت قصائده قطعا متميزة فيها حبكة درامية مؤثرة تستخدم النص الشعري، وقد وظف المفارقة بما يكسب نصه الشعري ألقا ووهجا، ويزيد من بث الدهشة للمتلقي وإحداث استيعاب لمفردات قصيدته الشعرية.
وترى المؤلفة أن الصائغ نجح في توظيف تقنيات الفضاء البصري في ديوانه بما يتناسب مع قصائده في لعبة نصية استطاع خلالها استثمار الفضاء الطباعي بما يخدم النص الشعري، فالناقد المتفحص لشعر الصائغ يجده لوحة فنية غنية بالدلالات بما يتناسب والتجربة الإنسانية التي عاشها ويعكس وعيه وقدرته على أن يكون شعره مرآة واقعه المرير تبعا للظروف الصعبة التي عاشها؛ ولهذا كانت لغته الشعرية غنية تحتمل عدة تأويلات وتصلح لتعدد القراءات، ويمثل شعره تجربة إنسانية فريدة تستحق التأمل والدراسة فقد كانت حياته غنية بالتجارب والأحداث المتنوعة على الصعيد الإنساني وعاش محطات مليئة بالظلم والبؤس والخذلان وخيبة الأمل فانعكس كل ما هو به على شعره ليضفي صدقا ووجعا بثه الشاعر في جنبات قصائده.