تأملات في المجموعة القصصية "الماتريوشكا" للقاصة الصبيحي

تأملات في المجموعة القصصية "الماتريوشكا" للقاصة الصبيحي
تأملات في المجموعة القصصية "الماتريوشكا" للقاصة الصبيحي
 يعد الأدب مرآة للواقع، فالأديب يستمد كتاباته من الفضاء الواقعي. من تجارب عاشها أصحابها، تؤثر فيه وتدفعه للكتابة عنها، "الماتريوشكا"، مجموعة قصصية للقاصة سوار الصبيحي عن دار الآن ناشرون وموزعون، تطبعها اللغة المكثفة والدلالات العميقة، وتحتاج إلى قراءة معمقة للوقوف على معانيها الخبيئة.اضافة اعلان
يقول هايدجر، الإنسان لا يقيم في الحقيقة فحسب، وإنما يقيم كذلك في اللاحقيقة. شخصيات الصبيحي، متناقضة في الرؤى، مختلفة في نظرتها للحياة وفي نظرتها للحقيقة، وهي صورة مستمدة من الواقع، من الناس من يقنع نفسه بحقيقة ما، ومنهم من يكتشف أن الحقيقة التي يؤمن بها، غيره يؤمن بحقيقة أخرى مختلفة، ومنهم من يتقبل الحقيقة التي تنتجها المؤسسة كما هي، وفي كل الحالات لا وجود لحقيقة ثابتة أو يقينية.
العنوان كعتبة نصية مهمة، يفتح شهية القارئ ويستهويه لقراءة النص، الصبيحي اختارت العنوان عن ذكاء. "الماتريوشكا"، عبارة عن دمية روسية مجوفة، تحوي بداخلها دمى أصغر فأصغر، تشبهها أو تختلف عنها. وقد قال بيسوا في هذا المعنى، إن كل منا متعدد، كثير، وفرة من الذوات. المغزى من الماتريوشكا أن الإنسان يحمل في ذاته نسخا متناقضة. يتصارع معها، يجهل حقيقة ذاته. يواجه متاهات لا متناهية تقربه من الوجود الزائف، وليس إلى الحقيقة بعينها.
هناك من يرغب في الحياة خارج واقعه، تفوقه أحلامه إلى حد بعيد. في قصة سندريلا، بطلتها تتطلع إلى ما لا تملكه، توهم نفسها بأن الأحلام سترفعها إلى مقام الأميرات، حين تتحصل على حذاء السندريلا الذي وجدته في محل الأحذية. استغنت عن وجبة العشاء حتى توفر المال لشرائه. بعد مدة ذهبت إلى المحل لتتفقد الحذاء، فوجدت أنه تم بيعه لإحدى الثريات. في نهاية المطاف تدرك أن هناك أحلاما لا يمكن تحقيقها، وأن بعض الأشخاص تمنحهم الحياة فرصة لتحقيق أحلامهم وتحرم آخرين من تحقيق ذلك.
تتكلم الصبيحي عن الهدف من الكتابة، وأن العبرة ليست في الابتكار بقدر ما تكمن في طريقة صياغة الموضوع حتى ولو كان متداولا. كما جاء في قصة تقدير، التي تشير فيها القاصة إلى المبدع، سواء كان فنانا أو مفكرا أو كاتبا، كيف يصبح هذا المبدع متميزا في عمله، يكون حسب رأي الصبيحي من طريقة أسلوبه وعرضه للفكرة برؤية خاصة تختلف عن الدراسات السابقة، عليه أن يملك المقدرة على أن يقنع المتلقي ويشده للاطلاع على إنتاجه الإبداعي بكل شغف. قصة "لو أن"، تحكي عن زوجين خطف الزمن منهما شبابهما، وأصبحت علاقتهما يسودها الملل.
ذهب الزوج لربط علاقة افتراضية مع امرأة أخرى، وتعرفت الزوجة على شاب كانت تلتقي به لتملأ بحضوره الفراغ الذي صنعه زوجها. كان الزوج يلاحظ عليها تقدم العمر، وكيف ترك الزمن بصماته على وجهها وعلى  شعر رأسها. لكنه لم يجرؤ على النظر في المرآة ليكشف ما فعله الزمن به كما فعل بزوجته. ترهبه حقيقته التي وضعتها زوجته بين يديه في لحظة مصارحة، حتى يكتشف ذاته وتتعرى أمامه دون مداراة. فيعرف أن الإنسان حين يهرب من الحقيقة يذهب ليقيم في اللاحقيقة، في الوجود الزائف.
وتبقى الصبيحي مع الذات وحقيقتها المبهمة، في قصة "المريض"، بطلها اسمه عارف، يعالج في مصحة نفسية، أراد أن يثبت للأطباء أنه ليس مجنونا، أما حالة الاكتئاب التي تنتابه فهي حالة طبيعية لابد من حدوثها عند الناس عامة. فالإنسان الذي لا يعتريه الاكتئاب من حين لآخر هو غير سليم. بالنسبة له حالة الاكتئاب تنم عن سلامة صاحبها.
ويرى أن الانطوائية ضرورة لمعرفة الذات جيدا، والجلوس مع الذات بالنسبة لعارف أكثر أهمية من الجلوس مع الآخرين بما يشكلونه من أهمية في حياة الفرد. وفي قصة "رجاء في دقيقتين"، تحيلنا القاصة إلى نقطة مهمة تقول إن الحقيقة لا تكون خارج المؤسسة، وإن الإنسان هو نتاج للمؤسسة الاجتماعية يخضع لنظامها ولسلطتها.
الصبيحي في مجموعتها القصصية أرادت أن توضح أن تصنع المرء ورضوخه للحقائق الزائفة يطمسان الدرب الذي يؤدي إلى جوهره الحقيقي. وتتصادم الذوات المتناقضة بداخله، فيفقد توازنه نهائيا. الإنسان في نهاية الأمر هو مجموعة من الإشكالات، والأسئلة الوجودية التي لا يملك إجابة عنها. يمتثل لبعض التصورات، يحاول أن يقنع نفسه بأنها هي نفسها الحقيقة، أو كما يقتضي العالم من حوله.

خديجة مسروق 
كاتبة من الجزائر